العلاّمة أبو عبد الرّحمن بن عقيل الظاهري عَلَم من أعلام شقراء لا أعرف من جيله من يساميه غير ثلاثة من الأعلام الشقراويّة، ومنذ أكثر من ثلاثين سنة لم أرغب القراءة في الصّحف إلاّ له أو لغازي القصيبي -رحمه الله- وخلفه في أهله وفي الأمّة جميعاً خير خلف. ولئن لم يكن صوت أبي عبد الرّحمن مزماراً من مزامير آل داوود كما ادّعى في التباريح فلقد أوتي مثله في أسلوبه فلا أعرف أحداً يباريه من أعلام شقراء ولا غيرهم في رصانته وملاحته وخفة دمه. ولم ينس أهلي من فضله وكرمه وإحسانه فقد تذكّرهم وذكر بهم أكثر من مرّة آخرها في جريدة الجزيرة (العدد 14839في 5-7-1434): 1) تذكّر وذكّر بوالدي عبد الرّحمن- رحمه الله- وكتب عنه أحسن مما أكتب لو حاولت، ولا زيادة لي على ما تفضّل به إلا الفخر بأنه كان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر في مقدّمة المحتسبين أكثر من عشرين سنة قبل أن تتحول هذه العبادة العظيمة إلى مؤسّسة من مؤسّسات الدّولة الكبرى، وقبل أن يُعَيّن رئيساً لها في شقراء وكاد أن يفقد حياته (لولا ما سبق من تقدير الله لأجله) بسبب اعتداء عدد من أبناء الأعراب انتقاماً منه لإلزامهم بالصلاة وسجنهم على تكرار المجاهرة بتخلّفهم عنها بأمر الشيخ صالح بن غصون -رحمه الله- (قاضي شقراء يومها) تجاوز الله عنهم جميعاً، ونال أخي إبراهيم أكثر مما نال أبي من ظلمهم. 2) وتذكر وذكر بأخي صالح -رحمه الله- وهو (في رأيي، وكلّ فتاة بأبيها معجبة) أحد الثلاثة الذين يسامون أبا عبد الرّحمن من أعلام شقراء. وهو من جيل أبي عبد الرّحمن وأكبر منه سنّاً بست سنوات على الأقل. 3) وذكر أخي إبراهيْم -رحمه الله- في بعض تباريحه بصفة أحد معلّميه في ابتدائية شقراء، وأخي إبراهيم أحد آبائي الذين أعجبت بهم في حرصه على العبادة والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، محتسباً وموظّفاً، وخدمة لوالدي عبد الرّحمن، ثمّ للوالد الشيخ بن باز (29) سنة لا ينافسه في هذه الميزة غير معالي الشيخ د. محمد بن سعد الشويعر أحد ثلاثة الأعلام الشقراويّة الذين أشرت إليهم، وأبرز منجزاته نحو (60) من فتاوى ومقالات ابن باز وكتاب تصحيح خطأ تاريخي حول الوهابية. وأخي إبراهيم بعد والدي وعبد الله بن إبراهيم خيرنا في تغيير المنكر. 4) ولا بدّ انّه تذكّر وذكر بجدّي العم عبد العزيز بن عبد الله الحصيّن الذي أنقذ الله به شقراء من براثن دولة الخرافة العثمانيّة وقائد جيشها لهدم الدّعوة والدّولة إبراهيم باشا. وتولّى القضاء في عهد الأئمة عبد العزيز بن محمد وسعود بن عبد العزيز وعبد الله بن سعود -رحمهم الله-، وكان أوّل رسول للدّعوة والدّولة السّلفيّة السّعوديّة إلى أشراف مكّة عام 1183 ثم كان ثاني رسول إليهم عام 1204ه، رحمهم الله جميعاً (ابن بشر وابن غنّام). 5) وقد لا يَعْرف أخي عبد الله الأوّل رحمه الله الذي خدم الوالد خدمة عظيمة مثل الأخ إبراهيم، وتميّز بالهمّة والعزيمة والحزم، وقد تكون خدمته للوالد خارج شقراء أبعدته عن مجلس العلم في مسجد شقراء، وكان خطّه فارسيّاً جميلاً مثل خطّ الوالد. وسُمِّي أخي عبد الله (وزير المياه والكهرباء اليوم) باسمه وهو أصغر سنّاً من أبي عبد الرّحمن فلا عجب لو لم تكن له به معرفة خاصّة، ولكني أشهد لله شهادة حقّ لا مجاملة فيها أنّه من خير من عرفت غيرة على شرع الله وعلى التّوحيد والسّنّة، وبعونه لي على مكافحة الشّرك وما دونه من البدع وأهلها، مع أنّ تخصّصه الهندسة الكهربائيّة والرّياضيات من أمريكا، ولم يتخصّص في الشريعة مثلنا على الأزهريّين في مكّة المباركة. 6) وتجاوز بي قَدْري فجعلني (مدفع فتح) في حربي على المبتدعة والصّوفيّة والحزبيّين والحركيّين في بلاد التّوحيد والسّنة الذين يبغونها عوجاً وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً، هداهم الله وكفى الإسلام والمسلمين شرّهم، وأخشى أن يتذكّر ما نقله عن ابن تيمية في وصف ابن حزم -رحمهم الله جميعاً- بأنّه (منجنيق المغرب) فيندم، لأنّه ليس بعد المنجنيق إلاّ مدفع الفتح، وبندقية الفتيل أو النّباّطة أو المرجامة أليق بي. 7) ذكرتُ من نماذج العلماء الأعلام ابن باز -رحمه الله- لأنّي أعدّه مع الألباني -رحمه الله- مجدّد هذا العصر للأخذ بيد طلاب العلم والعلماء العرب لالتزام الدّليل من الكتاب والسّنّة، وابن عثيمين -رحمه الله- وابن فوزان -أيّده الله- أبرز من صرف جلّ وقته للعلم والتّعليم والعبادة والدّعوة إلى الله على منهاج النّبوّة في هذا العصر خطابةً ودروساً، ويزيد الفوزان بالرّدّ على المبتدعة. وتذكّر الشيخ ابن عقيل وذكّر بعدد من العلماء وطلاب العلم، وفي كلّ خير، ولكني لا أعرف منهم من يُلَزُّ في قَرَن ابن عثيمين والفوزان فضلاً عن ابن باز وأقربهم إلى ذلك الشيخ عبد المحسن العبّاد، ولكني ادّعيت في رسالة خاصّة به أنّ حركيّ الزّلفى أعْدَوه فصار يُعْلن نقد ولاة الأمر على الأنترنيت، وكان قبل بضع سنوات ينكر على العواجي وأمثاله ذلك، وابنه الشيخ د. عبد الرّزّاق العبّاد من خير علماء السّلف الكهول علماً ونشاطاً (فابن الزّبير عوّام)، ولكنه (في رأيي) يبالغ في الحذر من تغيير منكر التّفرّق في الدّين باسم التجمّع والتحزّب، وكان في أوّل أمره لا تأخذه في الله لومة لائم حزبيّ. 8) وأذكّر علاّمة الجزيرة (وهو أحقّ بهذا اللقب من حمد الجاسر -رحمه الله-) أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يلين في الإنكار على من تبوّل في المسجد وعلى من استأذنه في الزّنى, ولا يلين في الإنكار على من قارف الشّرك اللفظي فضلاً عن العملي: «أجعلتني لله ندّاً» ؟ «بئس الخطيب أنت», «لقد قلتم مثل ما قال قوم موسى لموسى اجْعَل لَّنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ . وقد أنعم الله عليّ بالتّركيز على إفراد الله بالعبادة ونفيها عمن سواه منذ أدركت أنّ هذا ما ميّز الله به كلّ رسله في كلّ زمان ومكان, ومنذ تبيّنت أنّ وثنيّة المقامات والمزارات والمشاهد والأضرحة هي بعينها وثنيّة الجاهليّة الأولى منذ قوم نوح كما ورد في تفسير ابن عبّاس رضي الله عنهما لقول الله تعالى عن أوثان قوم نوح وقوم نوح: وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا قال: أولئك أسماء رجال صالحين, فلمّا ماتوا أوحى الشّيطان إلى من بعدهم أن ابنوا في مجالسهم أنصاباً, (من صحيح البخاري وتفسير ابن جرير) وقد هالني ما رأيت من هذه الأوثان في مصر وأنّها لم تُغَيَّر من صلاح الدّين إلى محمد مرسي, وما رأيت في بلاد الشّام والعراق وبلاد العجم وفي كلّ بلاد المسلمين (عدا السّعوديّة), وما رأيته في المسجد الإبراهيمي بزعمهم في فلسطين, وكان معبد أوثان (4 قبور) لليهود ثمّ النصارى فجعله المنتمون إلى الإسلام والسّنّة معبد أوثان (7 أضرحة) يضيق بها المصلى ولا تزال كذلك. وهذا الذي يجعلني أميّز ابن تيمية وابن عبد الوهاب وابن عثيمين وابن فوزان وأمثالهم وأخصّهم بالدّعاء كلّ ليلة ومعهم أئمّة آل سعود الذين حملوا راية التّجديد والتّوحيد والسّنّة منذ عام 1187 هجرية قبل موت الإمام محمد بن عبد الوهاب بتسع عشرة سنة. أمّا مجرّد حفظ المتون والشّروح فلن يكون خيراً من حفظ القرآن دون العمل به وتبليغه, وحذّر النبيّ -صلى الله عليه وسلم- من أحداث يقرأون القرآن لا يتجاوز تراقيهم وممن ذكرهم الشّيخ من لا يتميّزون بعلم ولا عمل ولا دعوة على ما كان عليه النّبيّ وأصحابه رغم الألقاب الدّراسيّة والوظيفيّة. 9) وإن كان لشيخنا دَلْوُ طِيْن كما يزعم فمنها جاء ما يوافق به الكوثري والسّبكي والبكري وأضرابهم من الأقدمين والمحدثين في لمز مجدّد القرن السّابع والثّامن ابن تيمية رحمه الله وأسكنه الفردوس من الجنّة بحجّة التّحذير من التّهالك على تقليده أو التّعصّب له, وأنّ كلام ابن تيمية رحمه الله اختلف في مسألة أو مسائل, وليت شيخنا تفضل بقراءة مقالي بعنوان (السّلفي من يلتزم بالدّليل بفهم السّلف) ومقالي: (الفرق بين السّلفي وبين المريد الصّوفي والحزبي)، وفي الأوّل منها أنكرت الرّدّ إلى ابن تيمية والله تعالى قد أمرنا في آية محكمة بالرّدّ إليه وإلى رسوله، وفي مقالات لا أحصيها ألزمت نفسي وغيري بالدّليل من الوحي وبفقه أئمّة وفقهاء القرون الخيّرة في آياته وأحاديثه لا بفقه من بَعْدهم ليتّحد المعيار الفقهي منذ نهاية القرون التي أثنى عليها الرّسول صلى الله عليه وسلّم إلى قيام السّاعة. 10) ولو اختلف كلام ابن تيمية أو ابن القيّم أو محمد بن عبد الوهّاب أو ابن باز أو الألباني (المجدّدون منذ القرن السّابع) وقبلهم الشافعي في قوله القديم والجديد ثم أحمد بن حنبل في الرّوايتين عنه رحمهم الله جميعاً وأسكنهم الفردوس من الجنّة، هل ينقص هذا الاختلاف من قدرهم وقد رفعه الله وجعلهم من خير أهل الذّكر بعد الصّحابة والتابعين؟ 11) ومَن الذي لا يختلف قوله في مسألة أو مسائل كثيرة وقد قال الله تعالى في محكم كتابه وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا ؟ 12) لا يميّز النّاس بحصيلتهم في علم أو فنّ، وإنّما يميّزون بقدر اتّباعهم للدّليل من الكتاب والسّنّة بفهم سلف الأمّة في القرون الخيّرة، ودعوتهم النّاس إلى الله بهذا الدّليل وهذا الفهم، أوّلاً وقبل كلّ شيء بنشر توحيد الله بالعبادة ونفيها عمّن سواه، والتزام اتّباع السّنّة والتّحذير من الابتداع في الدّين: الشّرك فما دونه، ونميّز ابن تيمية رحمه الله لما اتفقت عليه الأمّة من الاعتراف له بالعلم والعمل، وإزالة ما يمكن إزالته من الأشجار والنّصب والأوثان والتّحذير من بقيتها، وجهاده بقلمه ولسانه وسيفه أعداء الإسلام والمسلمين،كما نميّز الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله- لجمعه نحو ثلاثين ألف حديث في مسنده وحده، ولما ميّزه الله به من الثبات لمحنة القول بخلق القرآن وتحمّله السّجن والتّعذيب ومنعه من تعليم الأمّة بضع عشرة سنة في عهد المأمون والمعتصم والواثق. وهذا ما تعرفه أكثر منّا ولكنّنا نبيّنه للفكريّين والحركيّين والحزبيّين الذين فرحوا بلمزك ابن تيمية ولم يتذكروا ما قلته عنه في المجلّة العربيّة وغيرها وما قاله عنه مناصرو منهاج السّنّة في القرون السّبعة الماضية، ونقول لهم ما قاله محمد بن يوسف الشافعي اليمني للسّبكي: نزلت حول حماه كي تنازله فما علوت عليه بل علوت به وجزى الله العلامة ابن عقيل خير الجزاء وأجزل الثواب وأحسن الله له الخاتمة والرّزق وثبّته على شرعه وسنّة نبيّه.