أدخل محلاً وآخر وثالثاً.. أشعر بأني في دبي أو لندن أو نييورك.. أتجول براحة.. أتحدث براحة.. أتشاور براحة.. أشعر أن هذه البائعة سيدة عاملة تعمل؛ تكد.. تسد عوز أسرتها تساند نفسها وأهلها.. فرص العمل في السعودية بالنسبة للمرأة ضيقة جداً يتطلب الحصول على وظيفة طبيبة أو معلمة أو محاسبة في بنك؛ ظروف أسرية مثالية وإمكانات مالية كبيرة لا تتوفر للأسر الفقيرة التي لاتجد بناتها أفضل من فرصة كاشيرة!.. الطبيبة بحاجة إلى سائق؛ ونفقات وبيئة علمية مثالية داعمة أسرياً حتى تتخرج وتتطلب مستوى ثقافياً منفتحاً للأسرة التي تنفك من حصار المجتمع للعمل المختلط في المستشفيات. المعلمة تحتاج إلى محرم يسكن معها في قرية نائية وتحتاج أيضاً إلى معقب متفرغ يتابع معاملاتها في وزارة التربية والتعليم وهذا أمر عسير لا يتحقق إلا لمن أوتي فضل كثير. محاسبة في بنك يتطلب الأمر واسطة ومواصفات عالية من إتقان الدبلوماسية والأتيكيت في مقابلة العملاء واحتمال اختلافاتهم وأمزجتهم كما تتطلب لغة إنجليزية ومؤهلاً عالياً في الإدارة والمحاسبة. ماذا بقي لبنات الأسر المكافحة اللاتي لم يقبلن في الجامعات أو لم يجدن وظائف بعد التخرج من أقسام أكل الدهر عليها وشرب، مثل التاريخ والأحياء والدراسات الإسلامية والجغرافيا.. وغيرها من الأقسام التي يتجه إليها عادة أبناء البسطاء الذين صدقوا بأن المرأة جوهرة مكنونة مع أنها عند مروجي هذه العبارة كر وفر بين أمريكا وأستراليا وبولندا وبلاد الهند والسند، يرددن في مجالسهن الخاصة أنهن لايتبضعن إلا من أوروبا وأمريكا!.. بينما هن في خطابهن العام التسويقي يرددن المرأة في الغرب ليست قدوة وخير للمرأة المسلمة أن تحبس نفسها في بيتها!!. ماذا بقي للمكافحات اللاتي قد يتزوجن ويطلقن ويرمين هن وأطفالهن، وتماطل بعض المحاكم في قضايا نفقتهن وخلعهن حتى تكبر كرة الثلج أكثر.. ولاتجد هؤلاء النسوة إلا قبول العمل كاشيرات شريفات في محال مفتوحة أمام الملأ يخضن صراعا تيارياً لسن مكونات أساسيات فيه، ولم يسهمن في كتابة أيٍّ من سيناريوهاته الساخنة!!. يشهد الله إني كلما دخلت محلاً عليهن قلت: هل أنتن مرتاحات؟.. هل يوجد مايكدر صفو عملكن؟.. هل رواتبكن جيدة؟.. أجدهن حامدات شاكرات لا يشتكين ولايتذمرن يحافظن على لقمة عيشهن بصبر واحتساب وإن شط منهن أحد فهذا لا ينفي شرف المهنة فكل المهن يعمل بها الصالح والباطل ولا نزكي على الله أحداً.. الكاشيرات كرة الثلج التي أصبح من الضرورة إذابتها رحمة بهؤلاء النسوة وتطلعاً لتجاوز أن تتحول المرأة إلى ضحية لا أحد يفكر في مشاعرها في ضجيج الاحتراب والاختلاف بين التيارات، اللهم إنا نبرأ من أن نكون ظالمين باحثين عن الانتصار التياري على حساب الكاشيرات اللاتي يحق لهن أن يعملن؛ وعلى الجهات المسؤولة وضع الضوابط والتنظيمات التي تحمي الأخلاق العامة في كل عمل وليس فقط عمل الكاشيرات. [email protected] Twitter @OFatemah