تعتمد الصناعة السعوديَّة منذ نهوضها قبل ما يقارب الأربعة عقود على سلة كبيرة من الحوافز الحكوميَّة تدخل بكافة تفاصيل عملها بداية من التمويل الحكومي عبر صناديق التنمية الصِّنَاعية والاستثمارات العامَّة إلى تهيئة البنى التحتية والإعفاءات من الرسوم والخدمات الرخيصة التَكْلفَة وإذا كان التحفيز مطلبًا أساسيًّا لدعم الصناعة فإنَّ العائد منها يبقى المقياس الحقيقي لنجاحها بدعم الناتج المحلي. وقد فاق عدد المصانع بالمملكة الخمسة آلاف مصنع بحسب الاحصاءات الأخيرة، فيما فاقت استثماراتها نصف ترليون وعدد العمالة فيها فاق ستمائة ألف عامل لا يشكِّل المواطنون أكثر 25 بالمئة منهم وبلغ حجم الصادرات غير النفطية ما يفوق بقليل مئة وخمسين مليار ريال للعام الماضي تشكّل الصادرات البتروكيماوية أكثر من نصفها أيّ أن باقي الصناعات من تحويلية وغيرها لا تشكّل أكثر من ستة بالمئة من حجم الصادرات، أما في تغطية احتياجات السُّوق المحلي فيكفي القول بأن قرابة تسعين بالمئة من احتياجات الاقتصاد المحلي مستوردة للقول بأن الصناعة بالمجمل لم تصل إلى مرحلة متقدِّمة ذات أثر حقيقي في التنمية المحليَّة، فعدد سجلات المصانع قياسًا بأكثر من مليون سجَّل تجاري يوضح ضعف دورها بالاقتصاد واعتمادها المستمر على التحفيز الحكومي هو الأساس ببقاء الكثير منها على قيد الحياة والسؤال الكبير الذي يجب أن يطرح نفسه: هل يجب الاستمرار بنفس الآليات التي يتم بها بناء صناعة وطنيَّة وفق المقوِّمات التي تقوم عليها حاليًا التي يبدو أنَّها ساهمت إيجابًا بزيادة حجم الصناعة محليًّا لكنَّها بالمقابل لم تحولها إلى ما يمكن اعتباره حجر الزاوية بالاقتصاد المحلي فمساهمتها بحوالي 12 بالمئة من الصادرات الإجماليَّة للمملكة لا يُعدُّ معبرًا على نجاحها، فنصفها كما ذكرت التقارير تأتي من البتروكيماويات أيّ تابعة للنفط والغاز الذي تتميز به المملكة والأهمّ أنّها منتجات لا تتعدى مرحلة المنتجات الوسيطة وليست نهائية التي تُعدُّ قيمة مضافة حقيقية للاقتصاد المحلي، فيما لو تحققت نسب كبيرة بنموها. كما أن المقارنة بين حجم تكاليف المحفزات على الخزينة العامَّة وعائد الصناعة لا يرقى إلى مستوى الآمال المعقودة عليها بِشَكلٍّ عام ولا على مستوى توظيف الكوادر الوطنيَّة، الذين لم يتخط عددهم حاجز مئة وعشرين ألف بالصناعة عمومًا وهو رقم ضئيل سواء إذا ما قارناه بحجم العمالة الكلي بالمملكة الذي لا يصل بها إلى أقل من ثنين بالمئة أو بحجم العمالة الوطنيَّة بكافة القطاعات فهو لا يتعدى ثلاثة بالمئة، فيما يصل إلى عشرة بالمئة من العمالة الوطنيَّة بالقطاع الخاص. أما من حيث التطوّر التَّقني فإنَّ الصناعة الوطنيَّة لم تصل إلى مرحلة متقدِّمة بهذا الجانب إِذْ لا زالت تعتمد على عدد كبير من العمالة الوافدة الرخيصة التَكْلفَة، فعادة ما يسهم التطوّر التَّقني بتقليص عدد العمالة بالمصانع، كما أن الاعتماد على التمويل الحكومي بنسب كبيرة من حجم التمويلات القائمة دليل على وجود مخاطر كبيرة يراها قطاع التمويل التجاري بالصناعة مع أهمية استثناء بعض الصناعات كالبتروكيماويات من هذه النَّظرة، إِذْ يعد إقبال تمويل المصارف التجاريَّة لها كبيرًا قياسًا بغيرها من الصناعات وذلك بسبب جرعات التحفيز الكبيرة بأسعار الموادّ الخام لها التي تَضمَّن معدلات ربحية أعلى تسمح بضمان سداد القروض بوقتها. إن الإنفاق الحكومي الكبير على تهيئة الظروف المواتية للنهوض بالصناعة الوطنيَّة كبيرة جدًا وتسير بِشَكلٍّ متوازٍ مع كل مراحل دورة العمل الصناعي إلا أن المخاوف الحقيقية تبقى بأن تصبح هذه المحفزات هي ما يسهم بتحقيق الأرباح للمصانع القائمة دونًا عن غيرها من أسباب التفوق والنمو بالربحية كالجودة والكفاءة التشغيلية وغيرها من عوامل المنافسة الطبيعيَّة محليًّا وعالميًّا وبذلك فإنَّ الضرورة تتطلب اليوم قبل الغد بالدخول بتفاصيل تطوير الصناعة المحليَّة لتوسيع قاعدتها والاستفادة الإيجابيَّة من المحفزات مع التركيز على التقدم التَّقني والتشغيلي فيها كأساس لنمو حجمها وتقدمها لتكون رافدًا أساسيًّا للتنمية الاقتصاديَّة على المدى الطويل دونًا عن أيِّ مؤثِّرات تسهم بربحيتها حاليًا، فالمحفزات سلاح ذو حدين فبقدر ما تشجَّع على الإقبال الاستثماري بالصناعة إلا أنَّها توجد تقاعسًا بتطويرها وكفاءتها.