يعتمد مستقبل الصناعة داخل السعودية على قدرة القطاع على الحفاظ على أسعار تنافسية. ولا يمكن للسعودية أن تنافس دولا مثل الهند والصين، ولكن سيكون عليها المنافسة في مجالات متخصصة لديها ميزة داخلها، وهي المنتجات البتروكيماوية. وفي الوقت الحالي، يساهم قطاع الصناعة للاقتصاد بنحو 10 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وهذا ما يمكن أن يرتفع خلال الأعوام العشر المقبلة إلى نحو 15 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. ومن أجل الحفاظ على القدرة التنافسية داخل القطاع الصناعي، يجب التركيز بدرجة أكبر على أن يكون أكثر إنتاج وأقل اعتمادا على العمالة الأجنبية الرخيصة والغاز والكهرباء المنخفضة التكلفة. وكي يتنافس القطاع الصناعي عالميا، يجب أن تكون قدراته التنافسية أعلى، وقد أظهر القطاع أنه يمكنه القيام بذلك في أشياء معينة مثل البلاستك وأجهزة تكييف الهواء. أما بخصوص المدن الصناعية فلا يمكن الحكم عليها أو مستقبلها خلال عامين أو ثلاثة، ولكن على المدى الطويل. ولذا نحتاج إلى الانتظار. وهناك فرص لأن تنمو هذه المدن، ولكن من المهم أن يخدم القطاع الصناعي مصالح العمل داخل السعودية. وفي الوقت الحالي، يوجد 650,000 أجنبي يعملون في القطاع الصناعي، وارتفع عدد الأجانب العاملين في القطاع الصناعي بمقدار 9.4 في المائة في الفترة بين 2008 و2009. وقد تغير اتجاه استقدام عمالة رخيصة للعمل في القطاع الصناعي مع بدء عدد أكبر من السعوديين الدخول إلى هذا القطاع، مع مرتبات أعلى. وإذا كانت الميزة الوحيدة في القطاع الصناعي هي العمالة الرخيصة، فإن ذلك شيء غير مستدام، ولذا يجب على القطاع توفير محفزات حقيقية، حتى لو كان ذلك بهامش ربحية أقل كي يعمل السعوديون داخل القطاع وليكون داخلها مستويات أتمتة أعلى. وفي الوقت الحالي، يعمل 83,000 سعودي فقط داخل القطاع الصناعي، وارتفعت حصتهم بنسبة 1.1 في المائة في الفترة من 2008 إلى 2009. في رأيي الشخصي, لا يجب أن يُلقى على عاتق الحكومة مسؤولية الاستثمار، بل يعد القطاع الخاص مسئولا عن ذلك، وعلى الحكومة خلق المحفزات. ويمكن أن أقول إن القطاع الصناعي يجب أن يحصل على أكثر من 400 مليار ريال سعودي خلال الأعوام المقبلة من أجل تحقيق نمو صناعي كبير داخل السعودية. وإذا لم تقم الحكومة بتوفير محفزات، سيقوم القطاع الخاص بضخ استثماراته في أماكن أخرى، سواء داخل المنطقة أم خارجها. ولكن يجب على القطاع الصناعي توفير محفزات للشركات الصغيرة ومتوسطة الحجم وليس للشركات الكبيرة وحسب. وتمثل الشركات الصغيرة والمتوسطة 70 في المائة من الاقتصاد داخل البرازيل و80 في المائة داخل تايوان وأكثر من 50 في المائة داخل أوروبا. يجب أن تقوم الحكومة بتوفير محفزات مثل الأراضي المنخفضة التكلفة، ولكن لا يجب أن تقوم الحكومة بكل شيء. ويجب أن تحدد الأسواق الصناعات التي لها مستقبل مشرق. ومن الصناعات التي لها مستقبل واضح تنقية الطاقة المتجددة، ولاسيما الطاقة الشمسية. يجب أن تكون السعودية دولة رائدة في تقنية الطاقة الشمسية، التي يجب إنتاجها داخل السعودية. وفي المستقبل، يجب أن تكون السعودية مصدِّرا لهذه التقنية وللطاقة الشمسية. ولكن لا يمكن ولا يجب أن تقوم الحكومة بكل شيء، بل يجب أن يكون للقطاع الخاص دور أكبر، ويجب أن يكون التمويل أكثر تخصصا وداعما للصناعات والشركات الأصغر. ستقوم المصارف بتمويل بعض من الشركات التي تريد الظهور داخل المدن الصناعية، ولكن لا أعتقد أنهم سيقومون بتمويل المدن نفسها. كما لا يجب النظر إلى المدن الصناعية على أنها الحل للتحديات داخل السعودية، ولكنها جزء من الحل. ولكن، يجب ألا نتوقع أن التأثير على العمالة سوف يتغير بالنسبة للسعوديين ما لم يتم تغيير هيكلة العمالة من سيطرة الأجانب إلى سيطرة المحللين. ومن أجل حدوث ذلك، يجب زيادة المحفزات والمرتبات حيث إن المستفيدين سيكونون المستثمرين الصناعيين. سوف تؤثر المشروعات الصناعية بصورة إيجابية على الاقتصاد السعودي. ويمكن أن يدخل الاقتصاد إلى مجالات مثل المنتجات الصناعية المتخصصة، ولكن من جديد لا يجب أن يكون أساس هذه الصناعات العمالة الأجنبية الرخيصة، بل الكفاءة. لدى الحكومة بالفعل نصيب كبير من القطاع الصناعي من خلال «سابك» والكيانات التابعة لها. وقد أصبح القطاع الصناعي الخاص أكثر نشاطا خلال الأعوام العشرين الماضية، ولكنه أكثر اعتمادا على الكهرباء والغاز قليلة التكلفة والعمالة الرخيصة بدلا من التركيز على الإنتاجية والكفاءة. وكي يكون القطاع ذا قدرة تنافسية أكبر عالميا، فإنه يجب الاعتماد الإنتاجية أكثر من الاعتماد على الدعم. ويجب أن يكون القطاع الصناعي معتمدا على النواحي الفنية أكثر من اعتماده على تركيز العاملة بدرجة كبيرة. ويجب أن يكون القطاع أقل اعتمادا على الدعم الحكومي وأكثر اعتمادا على المكاسب الفنية والإنتاجية. لا تتسم عملية خلق الوظائف بالوضوح، حتى لو تضاعف حجم القطاع خلال الأعوام العشرين المقبلة، فإن ذلك لا يعني أن معدل التوظيف سيتضاعف بالضرورة، حيث إن ذلك سيعتمد على طبيعة الصناعة ومستوى التقنية والأتمتة داخل كل صناعة. وفي الوقت الحالي لدينا عمالة كثيرة في القطاع الصناعي لأنها سهلة ورخيصة ومرنة. ولكن لن يتغلب القطاع الصناعي على تحديات التوظيف داخل السعودية، حتى لو ضاعفنا قوة العمل من 732,000 حاليا إلى 1.5 مليون خلال عشرة أعوام، واستعملنا سعوديين. والأكثر واقعية، أنه يجب تغيير الطريقة التي تعمل بها الصناعة في الوقت الحالي لأن العمال الأجانب في القطاع يحصلون على 9 من كل 10 وظائف يتم توفيرها حاليا. وعليه، فإنه لو تم خلق وظائف فإنها سوف تذهب إلى الأجانب. * مدير عام وكبير الخبراء الاقتصاديين في البنك السعودي الفرنسي