حين تأتي الجنادرية تأتي في حضرتها رائحة الهيل والزعفران والعود.. حين تأتي الجنادرية تتغاوى كامرأة ناضجة، مملوءة حيوية، وشباباً، وعطاء، وأمومة.. وأتت الجنادرية هذا العام في دورتها الثامنة والعشرين، وفي حضورها يتلألأ على خاصرتها الكثير من الثقافة والتراث، يعانقها بلطف، ويضيء أيامها بهجة وسناء، وضياء وحبوراً. أتت الجنادرية مختالة بفكرها وثقافتها، وعطائها وتراثها، وأصالتها وماضيها التليد، وحاضرها المشرق. أتت الجنادرية وقد خضبت بالحناء والكادي، مختصرة سنواتها الثماني والعشرين، تمد يدها لتعانق كل من رعاها نبتة، ورعاها طفلة، ثم مراهقة، ثم شابة، ثم امرأة يافعة ناضجة، مملوءة بالعطاء الثقافي والتراثي على السواء. أتت الجنادرية وفي حضرتها تغيب كل الرموز الأخرى، وكل المهرجانات الأخرى، وكل المعارض الأخرى. أتت الجنادرية وفي حضورها تغيب كل الشعارات إلا من شعارها، ومنابرها الفكرية، والثقافية، وتراثها العبق. أتت الجنادرية وفي حضرتها تشرئب الأعناق، وتتحفز الأنفس، وتوضح الصورة. أتت الجنادرية لتفتح لنا أبوابها لتحضننا، ولتمنحنا الفرصة لمعايشة الماضي، وتدعونا لنحيا مع تراثنا الأصيل، إلى عبق الصحراء، إلى عطر الخزامى، إلى كل الماضي. أتت الجنادرية وفيها النبوغ والكمال، والعطاء والوفاء لهذا الوطن المعطاء وللحرس الوطني، الذي حمل على كاهله طوال هذه السنوات رعايتها، وحمايتها، والحفاظ عليها وتطويرها. أتت الجنادرية وفي حضرتها تذوب كل المعاني، فلا يبقى سوى معنى العطاء والتراث، والثقافة والهوية وعرق الأجداد. أتت الجنادرية التي أثرت الثقافة عبر سنواتها الثماني والعشرين بالمشهد الثقافي السعودي، ضمن اجتماع كوكبة من المثقفين السعوديين والعرب، حيث اختلطت داخل بوتقتها أفكارهم، وانسجمت رؤاهم الثقافية في لوحات جميلة، عبّرت عنها قصائد وطنية وندوات حافلة، بتاريخ عربي وعقيدة زاخرة بالبطولات والأمجاد. أتت الجنادرية وفي حضورها إبراز للتراث، عبر لجانه التي ألقت عليه الضوء، وأوصلته للأبناء عبر السنوات الطويلة، لئلا يندثر وسط زحمة الفضائيات والإنترنت. أتت الجنادرية وفي حضرتها عرض للمأكولات الشعبية الممزوجة بالبر، والسمن، والتمر، ورائحة الهيل، والزعفران. أتت الجنادرية التي تعكس إنجازات المملكة وتاريخها العريق. أتت الجنادرية بعناصرها الأصيلة، ومخزونها الثقافي الكامل في وعي الإنسان والركيزة، التي تحدد شخصية المجتمع مع تتابع أجياله. أتت الجنادرية وحضر معها التراث ورعشة بصمات الصبايا، على قطع الإقط، وشبكة العيون الكحيلة التي حاكت الثياب، وخشونة اليد التي صنعت التاريخ. أتت الجنادرية وحضرت معها كل الأطياف، أطياف الآداب التراثية والثقافية، من ندوات، ومحاضرات، وأمسيات شعرية وقصصية وفنون تشكيلية واستعراضات. أتت الجنادرية ولأول مرة في تاريخها تغيب عنها اللجان النسائية المنظمة التي تعودنا على وجودها كل عام. أتت الجنادرية خارطة الوطن الماثلة في أحداقنا، تغتسل بدموع الفرح. آآآه يا جنادرية.. وآآآه ما أغلاك يا وطن، عودتنا على السهر لأجلك ومن أجلك والوفاء لك. تلكم هي الجنادرية.. عطاء، في عطاء، في عطاء.