جبهة النصرة في بلاد الشام منظمة جهادية من ضمن فصائل الثورة السورية، وهناك من يعتبرها الأقوى من بين الفصائل المقاومة لنظام الأسد. أغلب أعضاء هذا الفصيل سوريون ويأتي بعدهم القادمون من الشمال اللبناني الذي يزخر بالتطرف والمتطرفين، ثم الوافدون الجهاديون من أصقاع بلاد المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها. هذه الجبهة أعلن أحد قادتها أبو محمد الجولاني قبل أيام أنهم يُدينون بالولاء لتنظيم القاعدة، ويأتمرون بأمر أيمن الظواهري الذي خلف ابن لادن في قيادة التنظيم بعد مقتله. هذا الإعلان كان بمثابة الهدية التي أعطاها هذا التنظيم لنظام الأسد، فطاروا بها فرحاً، وعملوا على تصعيدها؛ فهذا الاعتراف يُؤكد ما كان يدعيه الأسد من أنه يُقاتل (إرهابيين) يهدفون إلى إقامة إمارة إسلامية، ما جعل المنسق الإعلامي والسياسي للجيش الحر لؤي المقداد يُصرح لوكالة الصحافة الفرنسية، بأن (جبهة النصرة لا تتبع للجيش الحر ولا يوجد قرار على مستوى القيادة بالتنسيق معها)، وحاول التبرير بالقول: (إن هناك واقعا ميدانيا يفرض نفسه أحيانا، فتلجأ بعض الفصائل على الأرض إلى التعاون مع الجبهة في بعض العمليات). وكان معاذ الخطيب رئيس الائتلاف الوطني لقوى المعارضة والثورة السوري قد انتقد الولاياتالمتحدة مطلع يناير من هذا العام عندما أدرجت الولاياتالمتحدة جبهة النصرة ضمن قائمة التنظيمات الأجنبية الإرهابية، نافياً آنذاك أن تكون لجبهة النصرة علاقة بالقاعدة؛ كما خرج جورج صبرا على شاشة شبكة سي إن إن الأميركية، وقال: (لا أفهم سبب إدراج أميركا جبهة النصرة على لائحة الإرهاب)؛ فجاء إعلان جبهة النصرة بأنها فعلاً قاعدية ليجعل الخطيب وصبرا في موقف لا يُحسدان عليه. هنا لا بد من التوقف ملياً، والتفكير بجدية في هذا التطور الخطير. جبهة النصرة القاعدية هي أقوى فصائل الثوار السوريين، خاصة في المنطقة المحيطة بالعاصمة دمشق، وسقوط النظام يعني أن هذه الجبهة ستكون عملياً حاضرة وبقوة على أشلاء النظام السوري بعد سقوطه، وتفكك الجيش السوري، ولأنها الأقوى فلا يمكن تحييدها من قطف ثمار انتصارها وإقامة (الإمارة الإسلامية) إلا بحرب ستكون ربما أشد دموية من الحرب القائمة الآن مع النظام، فهؤلاء القوم لا يعرفون أنصاف الحلول، فإما إمارة إسلامية أو العودة للسلاح، وسوف - بالطبع - تدعم الصراع بين الفصائل عند اشتعاله إيران وحزب الله وفلول نظام الأسد، حتى تختلط الأوراق، فتتحول الساحة السورية من حرب بين ثورة ونظام إلى حرب أهلية بين عصابات متطاحنة ذات أيديولوجيات متباينة، تتقاتل فيما بينها، كلٌ يسعى لفرض أيديولوجياته وقناعاته ومصالحه بالقوة؛ أي بمعنى أدق ستتحول سوريا إلى صومال ثانية، وربما تبقى مشتعلة لعقود وليس لسنوات. إن النظرة الموضوعية واستشراف المآلات والاستفادة مما حصل في العراق وأفغانستان والصومال يجعل من الرصانة والعقل التفكير بجدية وموضوعية وواقعية في القضية السورية بعد أن كشّرت القاعدة عن أنيابها. أمامنا الآن خياران لا ثالث لهما: إما التفاوض (سياسياً) مع النظام القائم على طريقة المبادرة الخليجية في اليمن، وإجبار بشار على التخلي عن منصبه بسلام، أو حرب عصابات، والأقرب حرباً مذهبية أو طائفية، لن تبقى قطعاً داخل الجغرافيا السورية، وإنما ستمتد إلى دول الجوار، لذلك لا خيار أمامنا إلا (الخيار اليمني) مهما كان الثمن، حتى لو اضطر الجناح السياسي للثوار إلى الدخول في مفاوضات مع النظام نفسه دون شروط مسبقة، أو مع من يدعمون النظام في المنطقة وتحديداً (إيران)، في محاولة لتفويت الفرصة على القاعديين من أن يحولوا سوريا إلى صومال ثانية. أعرف أن إسقاط النظام بهذا الأسلوب سيكون نصراً مشوهاً، أو ناقصاً، كما أعي تماماً أن المفاوضات مع النظام ستكون صعبة، وتكتنفها ربما تنازلات مؤلمة، وأن بشار وأركان حكمه قد يُفلتون من العقاب، لكن الأدهى والأمر والأخطر أن لا نأخذ حضور القاعدة والجهاديين الدمويين على الأرض في الحسبان، وغاية ما يطمح إليه هؤلاء -أعني القاعديين- أن يسقط النظام وجيش النظام، وتتحول سوريا إلى فوضى عارمة، ويعيثون في أرض الشام فساداً كما فعلوا في بلاد الأفغان. كل ما أريد أن أقوله هنا إن إسقاط النظام القائم دون أن يكون هناك بديلاً صالحاً وقادراً على التعايش مع شروط البقاء الموضوعية في بلد كسوريا، يعني أن حل الأزمة سيبتعد كثيراً، بل ربما أن القضية ستتسع إلى خارج سوريا، وعندها لن يبقى أحد في معزل من شظاياها المتطايرة. إلى اللقاء.