(رأسه رأس حصان ولكنه كابس، فخذه فخذ بعير ولكنه يابس، بطنه بطن ثعبان لكنه غير قارس، أعوذ بالله منه لأنه يأكل الأخضر واليابس) وهذا المخلوق ما أن يراه البدوي حتى يكفهر ويمد يديه نحو السماء بوجه عابس ثم يقول «إلهي يا دافع الشر أنا لست من عطفك يائس.. احمني من حشود هذا الجراد الكريه الذي يأكل الزرع، الذي (يوشل) الضرع والذي يمحو المراعي ويفني الحقول لدى اخواني الحضر، الذي مثل حشود المغول، التي لا تترك كل شيء بكل المدائن الا خرابا فظيعا ودارس. * * * يجيء عمود الجراد كبرج ملون يمتد من الأرض حتى السماء، برجا فبرجا ثم ما ان يقترب من الارض حتى «ينفلش» ويتوزع مجموعات ووحدانا فهو ما ان يرى بقعة خضراء من الارض حتى يرخي الاجنحة الشفافة الرهيفة بشكل كاسح رهيب، ثم يبدأ بأن يحفر بأذنابه الرمل ليدفن فيها بيوضاته ومن ثم قبل ان يستمر برحلته السرمدية عبر البراري الفساح يداهمه البدو ليلا اذ يعرفون مواقعه من «المراح» ثم يغزونه حاملين «الخروج» و»العدول» أو أي كيس لكي يحصدونه كما يحصد الزرع وهذا هجاد في عرف اعرابنا السالفين لأن العدو الذي لا يعلن (رد النقاء) واخطار عدوه بالغزو والهجاد يرفع عنه «المنع» ولا يقبل استسلامه ولا رفع الرمح؛ لذا فالغزاة لا بد ان يقهروا بأوهى وأقوى السلاح أو كل شيء مباح. * * * يصير الجراد طعاما لهم في السنين العجاف لذلك سموا بنجد احدى السنين العجاف (عام جرادان) ومن بعدها نزح البدو نحو الشمال اقاموا بأرض العراق وبادية الشام بعض الزمان، وعادوا كما قال فارسهم وشاعرهم الشيخ مشعان بن هذال: عيناك يا نجد اذا صار ما صار جيناك صوله من شثاثا وابا القير عاد مشعان لأرض القصيم، البلاد القديمة لأجداده السابقين، ولكنه مات في طلقة واحدة، وعاد بنو وائل للشمال وبنو وائل يشبهون الجراد لكثرتهم في التنقل والارتحال، أما قال شاعرهم الفذ ابن كلثوم: ملأنا البحر حتى ضاق عنا وماء البحر نملأه سفينا ولكنهم حينما ضاق (الزمان السياسي) بهم فليس لهم غير أرض (نجد) مآل ، وليس لهم إلا حكامها الأقدمين منذ الإمام وبعد الإمام وحتى المليك الهمام، وليس لهم إلا آل سعود الوفيين لأبناء هذه الجزيرة فنعم الملوك، ونعم بكل القبائل، ونعما بهذي القبيلة أيضا ونعم المآل.