* منذ أن كانت هذه الجزيرة العربية الموئل الأول للعرب، فإنها كلما (أجدبت) أو مرّت عليها سنين عجاف من القحط والأوبئة دفعت قبائلها وسكان قراها إلى هجرة إلى الأطراف العربية المجاورة وخصوصاً ما كان يطلق عليها (بلاد الهلال الخصيب) أي سواد العراق وبلاد الشام. وكانت هذه (القبائل النازحة) من نجد تمارس ترحالها بين مد وجزر بين موطنها الأول و(مستوطنها) الجديد، فإذا ما أخصبت نجد وأمرعت أعادها الحنين إلى أرض الأجداد. وإذا ما اكفهرت نجد بالجفاف والطاعون والجدري نزحت عنها من جديد، وكذلك كان يفعل سكان القرى بحثاً عن الرزق أو هرباً من الأوبئة، وكانت تلك الجموع النجدية النازحة تصطدم بالجيش العثماني الذي يحاول منعها من التوغل في (الهلال الخصيب) باعتباره أرض الذهب - آنذاك - بالنسبة لاقتصاد الدولة العثمانية، وقد ازدادت تلك الاصطدامات ضراوة بعد تدمير الدرعية على يد إبراهيم باشا وأسر إمامها، المغفور له بإذن الله عبدالله بن سعود آل سعود وإعدامه في عاصمة العثمانيين اسطنبول، وذلك في عام (1818م) على أمل أن تتخلص الدولة التركية من عاصمة (نجد) ومحور قبائلها والقضاء النهائي على الأسرة السعودية الكريمة التي تلتف حولها القبائل وتعتبرها قيادتها التاريخية. ولهذا، فإن الجيش التركي وولاة الأقاليم الشمالية كانوا يكنون عداء مطلقاً لكل ما هو نجدي، لذلك فإنها كلما حاولت صدّ الهجرات البدوية فإنها تلقى قبائل مسلحة تأتمر بأمر قائد واحد ألا وهو شيخ القبيلة الذي تطيعه طاعة عمياء في السراء والضراء، لذلك كان العثمانيون يلقون مقاومة ضارية في الاشتباك وصعوبة في ملاحقة تلك القبائل التي تلجأ إلى (صحراء الحماد) في الشمال النجدي. وبعد أن يئست الدولة التركية من إبعاد هذه القبائل ومنعها من الوصول إلى المراعي الوفيرة في بلاد الشام والعراق حاولت (احتواءها) عن طريق عقد (اتفاقيات أمنية) بين شيوخ تلك القبائل و(باشوات) الدولة التركية (العلية) الذين يحكمون الأقاليم العربية في الهلال الخصيب، حتى إذا ما أخلّت أي مجموعة بدوية مهما صغرت بالأمن استدعت الدولة شيخ القبيلة وعاقبته أو احتجزته أو قتلته بالسم أو فرض عليه ما يشبه الإقامة الجبرية هو وقبيلته عن طريق منحه أرضاً للزراعة لتضمن استقراره (الأمني) وجعله في متناول يد الدولة (!!) ونكمل لاحقاً