بدءاً أعترف بأنني في مقالتي السابقة التي نشرت يوم الثلاثاء قد «أخفقت كثيراً» في تقديم مقالة واضحة تليق بالقارئ، حينما تحدثت بشكل «ملخبط» حقاً يجمع بين السرد والشعر والأسطورة وذلك في حديثي عن منطقة «العفايف» أو «موطن الجن». أما تبريري الواضح والصادق فهو انه حينما يكون الكاتب شاعراً بالأساس ومهتما ب»الأنثربولوجيا» ودراسة حياة الشعوب ولا سيما البدائية منها يختلط عليه النص، فأنا حينما شرعت في الكتابة كان يعنيني أولاً نقض «تهاويم» الناس في رؤية الجن وما يصيبهم من هلع شديد نتيجة لتلك التوهمات أو التهاويم، لكن القصة الأسطورية التي حاولت أن أرويها للقارئ الكريم وقد سيطرت عليها اللحظة الشعرية ولم تتمكن منها جيدا، لذلك جاءت المقالة مليئة بالخلل؛ ومن هنا أعيد الرواية الأسطورية بشكل دقيق واستنادا الى ما قاله المستشرق الشهير «موزيل» أو «موسى الرويلي» كما يحلو له أن يسمي نفسه، فالقصة الأسطورية أيها القراء الأعزاء تتحدث عن منطقة «العفايف» التي يعتقد البدو الشماليون أنها موطن للجن ولذلك يتجنبون الرعي حولها مهما أمرعت، وذلك لتصديقهم رواية تقول كان ثمة صياد بدوي يحمل طيرا على كفه ولديه كلبان سلوقيان يمتازان بالسرعة الفائقة في اقتفاء الطرائد، وحدث تن فر «خزز» ذكر الأرنب فأطاق الصياد صقره وسلوقييه خلف الخزز، وكانت المسافة طويلة بين «مربط الحصان» و»العفايف» حيث منطلق «الخزز» ومقره. وتقول الأسطورة إن الصياد حينما وصل إلى تلة في «العفايف» وجد سلوقييه رابضين وطيره «موكر» بكل انكسار وكان هناك رجل كهل أشيب قال للصياد (ما رأيك بجري عمك نايف، سلوقيين وطير زين، لم يدركنه من مربط الحصان إلى العفايف أي أن «الخزز» كان مجرد جني كان يلاحقه الصياد، وهذه الأسطورة كم أرعبت سكان الصحراء ولكن المستشرق لويس موزيل الذي عاش طويلا بين ظهراني قبيلة الروله، أقول إن موزيل قد كشف اللغز المخيف إذ وجد أن صوت الرياح حينما يمر بالتلال الطبشورية المنحوتة التي تتحول إلى رقائق رهيفة تحدث صفيرا متعدد النغمات يشبه العويل أو الغناء أو الحداء، وحينما تيقن «موزيل» من ذلك قال لصديقه النوري بن شعلان: أرتحل إلى «العفايف» فهي أخصب منطقة في الصحراء.