يوقر في صدره حلم عريض..، تكبر جناحاه..، تحلقان به ما شاءت طيوف النجاح تراود مخيلته: شهرة واسعة, مجداً كبيراً..، انتشارا في كل مكان.., مكانا في كل ذاكرة، موقعا في المكتبات، ودور النشر، وأيدي المستقبلين.. الفتى الناشئ كان هذا حاله.., حلم الشهرة يقض راحته,..بذور الرغبة تنمو في جوفه.., الفتى بلا عناء، بل مؤونة، يجد من يأخذ بحلمه سريعا نحو منافذ الانطلاق.. لا الاحتراق..! إذ قبل الانطلاق كان لابد أن يغذي الحلم، ويرويه، ويكسوه، ليحميه،.. كان عليه أن يتعهده في داخله، حتى لا يكون عارياً في متاهات الطيران يبرد فيرتجف، ويوهن فيتكسر, ويعطش، ويسغب، ويمحل.. فإذا ما استوى الحلم جاهزا, معدا، قويا، رويا، مكينا، صامدا بعنفوانه, وثقته، يؤذن له بالانطلاق.. عندها يكون آهلا بالعتاد.., قادرا على التحليق.. قادراً على النزول حيث يشاء،.. فتنفسح له المسارات.., وتتلقاه الأيدي.., وتقبل عليه العقول.., والقلوب..وتجدر به صدارة الأمكنة.. وتمشي معه الأضواء.., وتصنع به الشهرة لا له..!! هذا الفتى الآن، لم يتعهد حلمه، ولا يجد من يفعل.., بل وجد الأبواب مشرعةً، والحراس نياماً،..! انطلق هو بحلمه دون أن يتعهده أحد، رخو العود، عطشا.., جائعا..، فغدا بحلمه نهما.. والطريق طويل..,! لذا ركب الدروب السهلة.., والقصيرة، واستقل الوسائل الرخيصة.., والطارئة، ولهث وراء الأضواء يناكب بقوى واهنة.. وبضاعة رخوة..!! ومع ذلك،.. ولأن الحراس الأمناء نيام..! وجد أماكن مؤقتة، وكفوفا ملونة، وأبواقا جوفاء.., والقافلة تمضي على خشاش،..!! فثقافة التأهيل للأحلام ليست ضمن مدرسة الواقع.. ومضامين التأهيل للأحلام ليست محتوى كتب الواقع.. لذا تحترق أحلام الفتى الناشئ، وهو يُرفع قبل أن ينمو، وتسري به الركبان، وبضاعته ضئيلة, وتطبل له الأبواق في فضاءات معتمة..!! وصدره لم يصبح بوتقة لحلمه، ولا قدرته مؤهلة بغذاء، وكساء، ورواء..! زمن الكثرة القلة، والتضخم الفراغ, والوعورة السهلة..!! العطش.., الجائع.., العاري لا تصمد جناحاه حين يشاء أن يحلق.., ولا يقطع من المسافات إلا قدر طاقته..! لأن الأحلام الكبيرة، تحتاج للتأهيل في مدارس مكينة.. بيد أن ثقافة العصر عن الأحلام عند ناشئة الحالمين مكتوبة بماء.. لا توقر في عروقهم منها إلا عناوين،.. ولا توقد لها فيهم شعلة في دماء..! ليلهم من أجلها قصير.., وبضاعتهم لها ضئيلة.., وسرعان ما يصيبها فيهم احتراق..!..فتنطفئ فيهم .. سيؤوبون دونها مكسورين الأجنحة..ينزوون في أركان معتمة..! لذا ناشئة القوم يحتاجون لحراس يقفون عند أبواب أحلامهم.., يدلونهم على الدروب، يتعهدونهم بمؤونة, تمكن أحلامهم من البقاء.. ليجنبوها خاتمة الاحتراق..! فثقافة الكد من أجل الأحلام، ليتها توقر في المحتوى، وتؤجج في المسار, وتوقد قناديلها في عتمة المبتدأ..! عنوان المراسلة: الرياض 11683 **** ص.ب 93855