مما لا شك فيه أن هناك نوعاً من الاختلاف بين الجامعات والقطاع الخاص في الأهداف والاتجاهات والتوجهات والقيم، مما يتطلب السعي نحو تحقيق التقارب بينهما لخدمة المجتمع والتنمية الاقتصادية فيه. فتحقيق درجة عالية من الارتباط بينهما يستدعي بناء آليات مناسبة من أجل تحقيق علاقة بنّاءة منتجة تصب في مصلحة المجتمع في المقام الأول والأخير. فالجامعات تمثل مصانع للمعرفة، بينما تهتم منظمات الأعمال في القطاع الخاص بالتطبيق التجاري والصناعي للمعرفة لتحقيق الربح، وفي هذا الإطار يحتاج كلا الطرفين الى توفير استثمارات معقولة في البحوث التطبيقية وتطويرها، لتقوية العلاقة بينهما. فإجراء البحوث التطبيقية والتدريب العلمي لطلاب الجامعات في منظمات الأعمال ينمي مهاراتهم التطبيقية وبالتالي يزيد من فرصة التحاقهم بسوق العمل بعد تخرجهم. كما وتسهم العلاقة بين كل من الجامعات والقطاع الخاص في رفد البحث العلمي بموضوعات مستمدة من الواقع العملي القائم، وتعزيز المركز التنافسي للجامعات ومواكبتها للتطورات الحديثة في مختلف المجالات، وتوظيف الإمكانيات العلمية البشرية والمادية في الجامعات التوظيف الصحيح في حل مشكلات القطاع الخاص بدلاً من دراسة مشكلات نظرية مطروحة في الكتب أو الأبحاث المنشورة. كما وتسهم العلاقة الفاعلة بينهما في تنمية الخبرات الوطنية في الجامعات ومنظمات القطاع الخاص، من خلال التبادل المعرفي بينهما. أضف الى ذلك أهمية نقل المعرفة الحديثة في الجامعات إلى الواقع التطبيقي والاستفادة منها في ابتكار منتجات جديدة أو أساليب وطرق عمل جديدة أو تطوير منتجات قائمة وأساليب عمل قائمة تستهدف تنمية القطاع الخاص. وفي هذا السياق تتنوع وسائل أو أشكال العلاقة بين الجامعات والقطاع الخاص، ومن أهم هذه الوسائل.. الاستشارات، التطبيق العملي وتطوير البرامج والمقررات الدراسية، ويتضمن ذلك مشاركة منظمات القطاع الخاص في ورش عمل أو مؤتمرات لتطوير البرامج والمقررات الدراسية في الجامعات, والسماح لطلاب الجامعات بالتطبيق العملي في الشركات، والزيارات العلمية للشركات, وإقامة الدورات المشتركة, والتعليم المستمر, وعقد دورات تدريبية قصيرة ومتوسطة وطويلة الأجل، وتبادل الخبراء والموظفين وغيرها. كما تحتاج العلاقة بينهما الى إجراء عقود شراكة في مشاريع وأبحاث تطبيقية مشتركة بين الطرفين بهدف نقل المعرفة من أقسام ومعامل ومختبرات الجامعات إلى التطبيق العملي في قطاع الأعمال. أضف الى ذلك إنشاء حاضنات الأعمال ودورها في تجسيد هذه العلاقة بين كلا الطرفين. ويمكن لهذه العلاقة أن تأخذ أشكالاً بسيطة لكنها مثمرة على المدى البعيد، ومن ذلك: الزيارات العادية المتبادلة، والاشتراك في رعاية وتنظيم الاجتماعات والمؤتمرات والندوات وورش العمل والمعارض والأسواق التجارية والصناعية، والاشتراك في المنشورات والمطبوعات، ودعم المجهودات البحثية للطلاب، وتمثيل منظمات الأعمال في مجالس الجامعة، إضافة الى قيام منظمات الأعمال بتمويل بعض الأنشطة والفعاليات العلمية والطلابية والمجتمعية في الجامعات. وعليه تحتاج الجامعات السعودية اليوم الى الانتقال من النموذج القديم في علاقتها مع القطاع الخاص والذي يقوم على فكرة قيام الجامعات بتزويد منظمات القطاع الخاص بالأفراد الخريجين في مختلف التخصصات، واستفادة بعض منظمات القطاع الخاص من نتائج بعض البحوث التطبيقية المنشورة في الجامعات دون وجود أية قنوات أو تواصل فعال بينهما، والسعي الى تبني النموذج الحديث والمطبق حالياً في مختلف دول العالم المتقدمة في ترسيخ أركان العلاقة الفاعلة بين الجامعات ومنظمات القطاع الخاص، حيث يستند هذا النموذج الى النظرة التكاملية القائمة على الشراكة بدلاً من التعاون بين طرفي العلاقة وتحقيق المصالح المتبادلة، وذلك في إطار إجراء البحوث والمشاريع المشتركة بين الطرفين, والاستفادة القصوى من الإمكانيات البشرية والمادية المتوفرة في الجامعات لتعزيز جوانب الإبداع والابتكار في منظمات القطاع الخاص. ولا يجب أن يغفل عن الأذهان أن هناك العديد من التجارب العالمية والعربية الناجحة للتعاون بين الامعات والقطاع الخاص يمكن دراستها والاستفادة منها محلياً في إقامة وتعزيز علاقة شراكة فعالة بين الجامعات ومنظمات الأعمال في المملكة ومنها التجربة اليابانية. * أستاذ إدارة الموارد البشرية المشارك - جامعة الملك سعود