التجاوزات التي يقترفها بعض الشباب هي المادة التي تتصدر صفحات الأخبار المحلية في بعض صحفنا وفي بعض المواقع الإليكترونية. ويبدو كما لو أن بعض شبابنا في سباق مع نفسه لابتكار أنماط جديدة وغريبة من السلوك غير السوي! وليس المقصود بالسلوك غير السوي ما يُقدِم عليه بعض الشباب من ممارسات غير مألوفة، إذ من طبيعة الأمور أن يحمل كلُ زمنٍ معه مستجدات وممارسات لم تكن معروفة أو غير مألوفة سابقاً. وقد تكون بعض السلوكيات غير المألوفة أفضل من الكثير من السلوكيات المألوفة التي توارثتها الأجيال وقَبِلتْ بها بحكم العادة والألفة بالرغم من كونها تتناقض في بعض الأحيان حتى مع القيم الدينية، مثل التعصب القبلي والإسراف وغيرهما. لكن المزعج هو السلوكيات غير السوية التي تنطوي على أضرار وسلبيات على من يمارسها وكذلك على بقية أفراد المجتمع بشكل عام. وقد أتاحت الوفرة المادية، حتى بشكلها النسبي لدى البعض، أن تبرز بعض الظواهر غير السوية بشكل متزايد، وأصبحنا نلاحظ بين آونة وأخرى أشكالاً جديدة وغريبة من هذه الظواهر! وقد نشرت وسائل الإعلام في الأيام الأخيرة أخباراً تفيد بأن بعض الجهات الرسمية ذات الاختصاص تتجه إلى تغليظ العقوبة على بعض المخالفات والسلوكيات الرعناء التي يرتكبها بعض الشباب وذلك بعد استفحالها واتخاذها لمسارات خطيرة وسيئة جداً. وهذا جيد، لأن «من أمِنَ العقوبة أساء الأدب»، ولكن هل تكفي العقوبات الشديدة للقضاء على هذه الظواهر المنحرفة، وخاصة في المدى الطويل؟ إنني أشك كثيراً في ذلك. فمع الترحيب الشديد بهذا التوجه الحازم، فإن العقوبة وحدها لن تحل مشاكلنا. لابد، مع العقوبة، أن تأتي التوعية بأشكالها المختلفة. وأول ما يأتي من أشكال التوعية ما يجب أن تمارسه مؤسسات التربية والتعليم التي فقدت الكثير من أدوارها التقليدية في التربية خلال العقود الأخيرة. يتحدث التربويون عن مفاهيم «التربية الحديثة» ونظرياتها الكثيرة، وأجد في ما يطرحونه من النظريات الكثير من المنطق، لكنني -من الناحية العملية- لا أرى تأثيراً إيجابياً واضحاً لهذه النظريات على سلوك شبابنا الذين يتخرجون من المؤسسات التعليمية. لا أدري هل الخطأ في النظريات أم في التطبيق؟ أتمنى أن نتصارح مع أنفسنا حول العلاقة بين السلوكيات غير السوية التي يرتكبها بعض شبابنا والمناهج الدراسية في إطار ما يمكن أن تقدمه مؤسسات التربية والتعليم لمعالجة هذه السلوكيات. نحن لا نريد أن تتحول مدارسنا إلى ثكنات عسكرية ولكننا لا نريد أن تفتقد إلى الحزم في تربية أبنائنا وبناتنا. نعم للعقوبات المغلظة للسلوكيات السيئة المدمرة، ولكن لنعلم أن العقوبة وحدها لا تكفي وأن الأدوار المطلوبة من مؤسسات التربية والتعليم أكبر بكثير مما تؤديه الآن، وخاصة في مرحلة التعليم العام الذي يعتبر هو اللبنة التأسيسية الأولى التي تحدد الملامح السلوكية المستقبلية للنشء. يمكن أن تكون العقوبة «كبسولة» مسكنة في الوقت الحاضر، لكن «العلاج» الحقيقي والدائم يكمن في التربية. [email protected] ص.ب 105727 - رمز بريدي 11656 - الرياض