أستاذ مساعد في جامعة الملك فيصل سعادة رئيس تحرير صحيفة «الجزيرة» الموقر السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. تعقيبًا على ما نشره الأستاذ سلمان بن محمد العُمري في جريدة «الجزيرة» العدد 14729 تحت عنوان (الحسد قلّة عقل ودين). فإنَّ ما حرره مشكورًا مشكل مع قول النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله القُرآنَ فهو يقوم به آناء اللَّيل وآناء النهار، ورجل آتاه الله مالاً فهو ينفقه آناء اللَّيل وآناء النهار». وإنما يثور هذا الإشكال لعدم توضيح ما يطلق عليه (حسد الغبطة) وهو أن يَتمَّنى المرء مثل ما لغيره من النِّعَم دون أن يريد زوالها عنه، وتتَضمَّن الغبطة الثناء والإعجاب بما حصل لهذا الشَّخص من مال أو تجارة أو علم ومعرفة، وقدرته على أنَّه يطبِّق هذا على نفسه أو ينفع به الآخرين. وهو ما فعله زكريا عليه السَّلام حينما كان يدخل على مريم فيجد عندها رزقًا: {قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ إنّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ. هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ} سورة آل عمران، وكان دعاء زكريا من باب الغبطة وإرادة أن يكون عنده ما عند أهل الصَّلاح والخير، وأن يَتمَّ الله عليه النِّعْمة بالولد كما أتمها على مريم في الرزق. وإذا كان الحسد من أمراض القلوب ذات الأثر الاجتماعي المفسد، فإنَّ الغبطة من أعمال القلوب الناهضة بالمجتمع، وهي أساس التحفيز سواء على صعيد المجتمعات أو على صعيد الأفراد، وسواء على صعيد الثَّقافة أو على صعيد الاقتصاد. فالغبطة بمعنى تمني الإنسان نعمة في يد أخيه دون أن يصاحب ذلك تمنِّي زوالها عمَّن يملكها، لا مؤاخذة عليها، لا في الدُّنْيَا ولا في الآخرة، إلا أني أنصح بترشيد الإحساس بالغبطة، ذلك أن هذا الإحساس الدائم باستعظام كلَّ نعمةٍ في يد الآخرين لا يولَّد في النَّفْس إلا احتقار النِّعَم التي حبانا الله بها، وهو ذنب وأي ذنب. ولها مرتبتان: مرتبة التمني مثل خير يصل إلى غيره فهو غبطة، وإن زاد على التمني بالسعي لبلوغ مثل ذلك الخير أو ما فوقه فمنافسة. وفي هذا جاء قوله تعالى: {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} (26) سورة المطففين، فقد حثت الآية على التسابق وإرادة تحصيل مثل ما عند الآخرين من خير ونفع. و{لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلْ الْعَامِلُونَ} (61) سورة الصافات، و{فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ} (58) سورة يونس. والحمد لله رب العالمين. د. ميادة بنت محمد الحسن