مازلت أذكر ذلك اليوم الجميل الذي جاء بعد ليلة حافلة أقيم فيها حفل الترحيب بالطلاب المستجدين في كليتي الشريعة واللغة العربية بالرياض التابعتين في ذلك الوقت للرئاسة العامة للمعاهد العلمية قبل إنشاء جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. كان يوماً جميلاً لأن أصداء الحفل كانت قوية في أجواء الكليتين، ولأنني ألقيت فيه أول قصيدة ألقيتها في الرياض بعد التحاقي بكلية اللغة في العام نفسه، فكانت مشاركتي سبباً في التعرف على عدد من العلماء والأساتذة والأدباء والطلاب، وكذلك الشعر يفتح أبواباً جميلة للتعارف الثمين. مازلت أذكر ذلك اليوم حينما كنت متجهاً إلى قاعة المحاضرة وأنا مسرور بما سمعته من أساتذة كرام من تشجيع وإشادة بالقصيدة التي ألقيتها في الحفل المشار إليه، حيث لقيني رجل جهوري الصوت مصافحاً ومسلماً قائلاً: لقد كانت قصيدتك جيدة وإلقاؤك زادها جمالاً، ثم ابتسم قائلاً: وإن كنت قد أخذت مكاني في الحفل فأنا أخوك محمد بن سعد الدبل، ألقب بشاعر الكليتين، ثم قال بصوت منخفض وهو يضحك: لا يخطر ببالك أنك ستسرق اللقب مني، قلت له وقد شجعني مزاحه: بل سأختطفه منك اختطافاً، ثم افترقنا وقد استطاع أبو سعد -رحمه الله- أن يمد حبلاً من المودة والصداقة لم ينفصم، بل زادته الأيام قوة. شاركته في عدد من الأمسيات الشعرية واللقاءات الأدبية، وهو شاعر مجيد، ذو لغة قوية وألفاظ جزلة، ونسق في الشعر أصيل، وله طرائف في الأمسيات، تستثير الحضور تفاعلاً وضحكاً، من تلك الطرائف ما حدث في أمسية شعرية مشتركة بيننا في الجامعة، فقد قدمني مقدم الأمسية قبله، فقلت الدكتور محمد أستاذي ولا يمكن أن أتقدم عليه -وأنا صادق فيما قلت- فقال رحمه الله: أحسنت يا عبدالرحمن فهذا ما كنت أنتظر منك، ولو لم تفعل لقاطعتك وأخذت منك مكبر الصوت، وضحك، فأضحكني وأضحك الجمهور.. أستاذنا الكريم الدكتور محمد بن سعد الدبل، أديب ناقد وشاعر كبير وأستاذ جامعي في البلاغة والنقد الأدبي ومنهج الأدب الإسلامي، له عدد من الدواوين والكتب والبحوث منها ديوان إسلاميات وكتاب النظم القرآني في سورة الرعد.. أعزي فيه أهله جميعاً وأصدقاءه وزملاءه والساحة الأدبية في بلادنا الغالية، وأعزي فيه نفسي لأن خبر موته كان ذا وقع شديد على نفسي.. رحمه الله وغفر له {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.. إشارة.. هو عمرنا والموت في أسلوبه... خبر مفيد والولادة مبتدا