الحوادث والأخطاء الطبية تودي بحياة آلاف الأشخاص كل عام في الولاياتالمتحدة طبقا لاحصاءات موثقة، وهو الأمر الذي دعا الرئيس الأمريكي بيل كلينتون في مطلع هذا العام الى مطالبة الدوائر الاتحادية الرقابية باتخاذ تدابير جادة وعاجلة لخفض نسبة تلك الأخطاء الى النصف، أما في فرنسا فإنه ليس هناك، حتى يومنا هذا، أي دراسة أو برنامج,, أو أي رد فعل رسمي حول هذا الموضوع، لكن، ومن خلال دراسة الحوادث في مجال الصناعة النووية أو الطيران يمكن للمختصين الاستفادة من دروس العدوى المنتشرة في المشافي، أو مضاعفات التخدير أو الجراحة، من أجل بناء أنظمة طبية أو مشاف أو شبكات صحية أكثر سلامة، انها بلا شك مهمة صعبة، فهذا البحث عن الحقيقة قد يضاعف حالات تحمل المسؤولية الطبية أو اتهام الدولة. وتقول الاحصاءات إنه يموت في بريطانيا، في صمت مطبق 40 ألف شخص، وفي الولاياتالمتحدة 100 ألف شخص، وفي فرنسا بضعة آلاف,, كل ذلك بسبب الأخطاء الطبية الناجمة عن العلاج أو مضاعفات العمليات أو الفحوص التشخيصية، ومن الأمثلة التي أتت على ذكرها صحيفة لومند الفرنسية أن شابا في باريس توفي بالسكتة القلبية بسبب اهماله وعدم مراقبته بعد أن أجريت له عملية اللوزتين، وكذلك لقي صحافي في بوسطن حتفه جراء تناوله جرعة مضاعفة خلال تلقيه العلاج الكيماوي، وفي بريطانيا توفي هارولد سميث 74 عاما لتركه مدة خمس ساعات في سيارة اسعاف في ويلز بعد عملية في القلب، وذلك بسبب خطأ باسم المريض، إن الخطأ موجود في كل مكان، وغالبا ما يمكن تجنبه شريطة الاهتمام به، ووضع اجراءات لملاحقته، وبالتأكيد لابد من قول الحقيقة للمريض وأسرته عند حدوثه,, وعلى الأغلب لا يكون الخطأ إثما وقد يخرج بالنتيجة من دائرة المسؤولية والمحاكمة، لكن مع غياب التواصل مع الأطباء يشعر الضحايا في أكثر الأحيان، بوجود سرية مطلقة، فيذهبون في هذه الحالة للبحث عن الحقيقة أمام القضاء، وهذه الحلقة المفرغة التي يريد الخبراء كسرها، ففي الولاياتالمتحدة نشر معهد الطب مؤخرا تقريرا وقع في مائتي صفحة حول هذا الموضوع بعنوان الخطأ البشري جاء فيه: ان الخطأ الطبي يعتبر السبب الثامن في الولاياتالمتحدة، وهو يتقدم بذلك على حوادث السير 43358 ضحية وسرطانات الثدي 42297 ضحية ويشير التقرير الى أن أكثر من ثلثي نتائج الأخطاء المكتشفة في هذه الدراسة يمكن تفاديها، وان أكثر الأخطاء التي يمكن تفاديها هي الأخطاء الفنية 44% والأخطاء التشخيصية 17% والوقاية غير الفعالة 12% واخطاء الوصفات الدوائية 10% وبجمع الأسباب نجد ان 30% من الأخطاء تعزى الى الاهمال، يقول الدكتور كريستيان سيكو المدير الطبي لنقابة سوميديكال : يبدو لي ان عددا كبيرا من الحوادث المنطوية على أخطاء يمكن تجنبها، ترى هل ثمة تقييم حقيقي لحجم الأخطاء الطبية في فرنسا؟. لقد قام فريق سيرانو دي بيير جراك من المدرسة الوطنية للادارة بدراسة الامن الصحي في تشرين الثاني 1998 فكانت النتيجة انه لم يكن هناك أي دائرة تدرج في حساباتها هذه الحوادث، وكانت المسؤوليات مغيبة الى حد كبير خصوصا تتابع الرقابة القانونية رقابة الأدوية، رقابة الدم، رقابة التجهيزات الطبية، ورقابة حالات العدوى التي تحدث داخل المشافي وتتابع التقارير الاخبارية لدى هيئة الرقابة الادارية. ووفقا لذلك تصبح كل حوادث نقل الدم البسيطة والخطيرة متضمنة في تقرير، يرسل هذا التقرير الى ادارة رقابة الدم الاقليمية لتكون على علم بتكرار وطبيعة الحوادث ويجري الشيء ذاته بالنسبة للعدوى التي تحدث داخل المشافي في اطار التنسيق ما بين مراكز مكافحة هذه العدوى، أو الحوادث التي تتطلب استخدام أدوات أو زراعات معينة مسجلة من قبل هيئة رقابة التجهيزات الطبية، لكن كما كتب الدكتور فراندشوفان الذي يعمل في مركز ليون بيار في مدينة ليون، قائلا: إننا نعلم ان الحوادث المسجلة من قبل الرقابات القانونية لا تغطي سوى نصف الحوادث المكتشفة في المشافي. ونظريا يجب على الأطباء العاملين في العيادات والمشافي والمراكز الطبية الأخرى في القطاع العام التبليغ عن الحادث، أما عمليا فلا يراعى هذا الواجب بصورة دائمة فالمعدل الوسطي للبلاغات 60% في أوروبا، 65% في فرنسا، 70% منها يقدمها أطباء المشافي، 20% في اسبانيا، 77% في السويد إلا أن نوعية أنظمة الرقابة ترتبط بمجموعة صحيحة من المعلومات. والواقع ان شركات التأمين العامة والخاصة هي التي تدرك أبعاد المشكلة بصورة أفضل حيث لاحظت انه من العام 1989 حتى 1998 زاد عدد الافادات عن الحوادث الناجمة عن الخطأ الطبي بنسبة 200% وزادت كذلك التكلفة المترتبة على هذه الافادات بنسبة 514%، ووفقا لتقرير العام 1998 الصادر عن المجلس الطبي لمجموعة شركات التأمينات التبادلية الطبية، التي تؤمن على الأطباء بلغت الافادات عن أخطاء أطباء التخدير 285 افادة والجراحين 320 افادة كذلك 240 شكوى جزائية و231 شكوى في مجلس نقابة الأطباء و538 دعوة تكليف بالحضور للمحكمة بصفة مستعجلة، وهناك 1638 شخصا قد أعربوا عن عدم رضاهم بزيادة 0,3% مقارنة بالعام 1997 لكن هذه الافادات لا تشمل إلا أخطاء الأطباء، وللرد على هذه الزيادة في تساؤلات الجمهور تجاه الأخطاء لم يكن لدى شركات التأمين سوى ثلاثة حلول هي: التخلي عن تغطية التبعات، أو الخطر الطبي، أو زيادة قيمة التأمين على المهنيين الأكثر عرضة للخطر والدعوة للمشاركة بسياسة ادارة التبعات. ويقول الدكتور سيكر، وهو طبيب استشاري لشركة تأمين كبرى: ان زيادة قيمة التأمين هي سياسة حمقاء، إذ يمكنها الحفاظ على التوازن المالي بشكل مؤقت، لكن لا يمكنها تجنب زيادة الحوادث الطبية، وعلى العكس يتعين على شركة التأمين أن تعكف على ادارة التبعات مثلما أدرك الأمريكيون ذلك منذ عشرة أعوام، والدليل انه عندما يقع حادث من الناحية الجسدية فانه يعزى لخلل في الوظيفة لم يحدث عموما للمرة الأولى ويتبين تشكيل خلية لادارة التبعات تقوم بوضع حلول موضوعية تستند الى اجراءات بسيطة وتعمم على نطاق في المؤسسة ويتم تقييم فعالياتها، ولتحقيق ذلك لابد من توافر ثلاثة شروط وهي: عدم فرض أي عقوبة في حالات وقوع خطأ غير جرمي كما في الطيران المدني، واقناع الموظفين بأن التبليغ ليس وشاية عن الزملاء، وأخيرا اقناع موظفي المشافي الذين باتوا يفتقدون للشجاعة اليوم، بجدوى نظام التبليغ عن حوادث. ويطرح الدكتور سيكو امكانية تبني نموذج اجرائي مبسط وناجح فيقول: إن الجراحين مخطئون من الناحية الاجرائية وحسبهم صبيحة يوم العملية ان يجعلوا المريض يوقع بنفسه على الجانب الاجرائي حتى يزول تماما هذا النوع من الخطر. واخيرا ابتكرت بعض المؤسسات وكما في مركز ليون بيرار استمارات افادة بالحوادث تتيح لجميع الموظفين تبليغ خلية ادارة التبعات بالحوادث أو الأخطاء التي قد لا يلاحظونها. هذه الاجراءات لا تزال نادرة في المؤسسات الصحية كما انها تقتصر على نطاق دائرة مغلقة ولم يحدث أي اتصال في الخارج. وكان الرئيس كلينتون قد أعلن في شهر كانون الأول الماضي أنه امر كل الهيئات الفيدرالية باتخاذ الاجراءات الضرورية لخفض الأخطاء الطبية الى النصف، وبناء على ذلك ستبدأ الاستعدادات في وزارة الصحة وأنظمة التأمين الصحي والمشافي، ذلك ان الدولة الفيدرالية تتمتع بالقدرة على اقناع موظفي قطاع الصحة بشقيه العام والخاص للقيام بهذا العمل، فهي التي تمول طبابة 85 مليون أمريكي، ويعتبر تقرير المعهد الطبي السبب في اقناع البيت الأبيض، ذلك انه اشار الى ان ما بين 44 ألفا و98 ألف شخص يموتون سنويا بسبب الأخطاء والحوادث الطبية، وأن 70% من هذه الحالات يمكن تجنبها. وتؤكد الهيئات الممولة أن تكلفة الأخطاء التي يمكن تجنبها فقط تتراوح بين 102 و174 مليار فرنك، وتحدث هذه الأخطاء في أقسام الطوارىء وغرف العمليات والتوليد، بل وكذلك عندما يحرر طبيب وصفة دواء، وفي ولاية ماساشوستس الأمريكية وحدها سجل 2,4 مليون وصفة دوائية تحتوي على أخطاء، و88% من بينها هي أخطاء بأسماء الأدوية أو عدد الجرعات. والجدير ذكره بهذا الصدد ان ادارة الطيران التجاري والصناعة النووية تمكنت منذ زمن طويل من ادارة هذه الأخطار الكامنة وذلك بواسطة الرقابة والحيطة وتقوم الرقابة بالبلاغ عن الأخطاء والحوادث عند حدوثها، وفي حالة وقوع خطأ أو حدث ما تضمن ادارة الطيران الفيدرالية البلاغ المقدم من قبل الملاحين بحيث لا يتعرض لأي ملاحظات محتملة. وغالبا ما يتيح تحليل جميع الحوادث بروز نقاط مشتركة ووضع اجراءات مبسطة لتجنبها، وحول هذا النموذج اقترح كلينتون، انشاء نظام للبلاغ الالزامي بالنسبة لأي خطأ فادح يتسبب بموت أو اعاقة المرضى، وسيحل هذا النظام مكان المبادرات المحلية أو الفرعية الموضوعة من قبل أي هيئة من الهيئات الاتحادية، ومع ذلك يقدر رسميو البيت الأبيض عدم وجود حل واضح لمخاوف المهنيين الذين يخشون مضاعفة قضايا المسؤولية الطبية، إذا ما ارغمت المهنة على التسليم على الأغلب بأخطائها، حتى من غير ذنب، هذا وقد عارضت ادارة كلينتون كل الجهود المبذولة من جانب الأطباء وشركات التأمين لتحديد التعويضات الكبيرة التي يطالب فيها في القضايا الخاصة بالأخطاء والحوادث الطبية.