عندما ندت أخبار متفرقة في الجرائد عن حملة مرتقبة للتوعية المرورية، لم تستبد بي حماسة كبيرة وقلت في سري هي مناسبة أخرى، مثل أسبوع المرور وأسبوع الشجرة وغيره: تمتلئ وسائل الإعلام بالحديث عنه، وتحشد في الشوارع اللافتات الرسمية تهيب بالناس ان يتكرموا ويفعلوا كذا، وترجوهم ان يتعقلوا فلا يفعلوا كذا, ومثلها لافتات غير رسمية تقول نفس الشيء مع تحيات المؤسسة الفلانية، والدكان الترتاني، والمستوصف العلاني، ويظهر على الشاشة مسؤولون ببشوت أنيقة، أو بزات لماعة بحسب المناسبة يتحدثون عن أرقام مذهلة، ونسب تقدم رائعة عن التحسن الذي حصل خلال عام ولم يره الناس العاديون، لأنهم لا ينظرون أبعد من أنوفهم فيشكرهم المسؤول الرئيس على جهودهم الرائعة، وبكل صدق وتجرد، لا ألوم ذلك المسؤول، ولا أقول ذلك خوفاً وبشجاعة أحسد عليها أقرر بأن هذا وارد، ولكن ليس هنا ولكن لأني أعرف ان جميع المسؤولين من مرتبة وكيل وزارة مساعد فما فوق معظمهم مشغولون إلى أبعد حد فلا يذهب أحدهم في نفس مشاويرنا اليومية لمدرسة الأطفال، أو لدكان الكمبيوتر الذي غشه، أو ورشة السيارات التي خدعته، أو المستوصف الفلاني الذي شخص حالة طفله خطأ، ولا يقوم بايصال زوجته إلى المجمع الفلاني لأن فيه تخفيضات، وبالتالي لا يرى فعلاً اذا كان عدد الأشجار قد زاد، أو اذا قلت المطبات الطبيعية لا الصناعية في الشوارع ، ولا اذا تحسنت اساليب الناس في السواقة، أو اذا زاد وضع النفايات في البراميل التي تضعها البلدية، بدلاً من تكومها على بعد أمتار منها، ولذا فالمسؤول سيصدق الأرقام التي أمامه فهي أصدق انباء من الكلم، اضافة إلى رغبة دفينة لديه ان يصدقها. وقبل بداية الحملة بأسبوع أو نحوه، قال لي سمو الأمير محمد بن نايف نعم! قال لي، فمكتبه مفتوح للجميع، ومن يرغب فليذهب إلى هناك ليقول له أيضاً : أنت تكتب كثيراً عن المرور يا دكتور,, وان شاء الله تشوف الحملة المرورية التي ستبدأ في اليوم الفلاني . وبصراحة سعدت وانتشيت، سعدت لان سموه يتابع ما يكتب في الصحف، وانتشيت لأنه قرأ لي أنا وأرجو ألا ينسى مسؤولو تحرير الجزيرة هذا وقبل دخولي مكتب سموه قال لي الدكتور الصديق سعود المصيبيح نفس الشيء تقريباً، ولكن لم تفلح هذه الأقوال في زيادة تفاؤلي فبيني وبين نفسي، ما زال كلام حكومة فلم أتوقع شيئاً جديداً. وبدأت الحملة هنا وهناك، فتأكدت ان شكوكي في محلها، برامج اذاعية واعلانات مسموعة ومكتوبة، وأفراد ببزاتهم العسكرية يتجولون في المجمعات، والمحلات الكبيرة، ليوزعوا نشرات تؤكد أهمية اتباع انظمة المرور ف أمنكم هدفنا,, وسلامتكم ماذا يفعلون هنا؟ لم لا يقفون في الشوارع والطرقات؟ تساءلت في قرارة نفسي بكل,, هدوء! وبعدها بأيام قليلة فوجئت بوجود بعض أفراد المرور عند تقاطع طريقي الملك عبدالعزيز والأمير عبدالله! يا قوة الله! لقد وصلهم تساؤلي، يبدو أن وسائل الاتصالات تحسنت بشكل كبير! , ولكني رأيت بصحبتهم اطفالاً صغاراً، وكلهم يوزعون نشرات على السائقين، يا فرحتي! قلت في سري هذا اللي قدروا عليه,, الله يمضي هالشهرين على خير . كان يمكن ألا أكتب هذه المقالة لو استمرت الأمور على ما هي عليه، ولكني فوجئت بتغير نوعي قلب قناعاتي رأساً على عقب، أفراد المرور من كل الرتب في كل مكان، عند كل تقاطع أربعة أفراد على الأقل وسيارة، أو دباب، أفراد المرور لا يقزرون الوقت بل يؤدون عملاً، فيتجولون بين السيارات بحماسة بادية، ويقولون للركاب بهدوء بأن يربطوا حزام الأمان، وأحياناً يشيرون إليهم بحركة قطرية على صدورهم، يبتسمون، يرتدون صديريات برتقالية تنور بالليل المسألة جد هذه المرة العملية مدروسة، وتأتي على مراحل معلومة. استعرت مع التحوير مقولة الأعمش، أتمتم في سري حيّا الله من بان وطلع، ما كنت احسب هذا النسل إلا انقطع لم أتمالك نفسي، أفتح نافذة السيارة أحييهم: بارك الله فيكم,, قوهم,,عشتوا,, الله وياكم فيردون، ويعرفون ما يقولون، لأنهم يعرفون ما يفعلون, كلهم، حتى ذوي أصغر الرتب!. آآآه! لم تصدر إليهم الأوامر ليأتوا من المكاتب، أو من بيوتهم إلى الطرقات فجأة لقد تم اعدادهم جيداً أنا متأكد ان رؤساءهم اجتمعوا بهم وقالوا لهم بادئ ذي بدء: يا جماعة الخير! فاكرين أسابيع المرور الماضية؟ انسوها! امحوها من رؤوسكم بخيرها وشرها، ولا تجيبون سيرتها! هذي حملة مدتها شهرين، ولا يعني هذا ثمانية أسابيع مرور متصلة! المسألة ما هي جمع وكم! هالمرة كيف! مفهوم؟ كيف من الكيفية، لا من المزاج! . ولأن سعادتي اتت بعد تساؤل كبير فلابد ان توجد لدى دلائل مقنعة لي: منذ أكثر من سنة كتبت عن تبعات الفكرة العقيمة التي قضت بانشاء طرق محلية على جانبي الشوارع الكبيرة، وضربت مثلاً على اثرها السيء بشارع الستين في الملز، وامتداده طريق الملك عبدالعزيز, الجزء الأول حماه الله ابتداء من طرق الخدمة، والثاني ابتلي بوجودها على جانبيه، والفرق في انسياب المرور وفي عدد حوادث المرور بين الجزءين واضح ومفحم وضربت مثلاً على سوء اضافي في تخطي مداخل الطرق المحلية ومخارجها بما يحدث في تقاطع طريقي الملك عبدالعزيز والأمير عبدالله، واعترف بان معضلة طرق الخدمة داخل المدن مثل العاهة المستديمة، لا يمكن التخلص منها نهائياً، ولكن يمكن تحسينها، وتجميلها، والتعايش معها، وكذلك الاحتياط من حدوثها مستقبلاً. فماذا حدث؟ مع بداية الحملة بدأت الأعمال على قدم وساق في الأركان الأربعة لذلك التقاطع، لسد المداخل والمخارج المهلكة، وتغيير مواقع البعض الآخر، وقدري أن أمر بذلك التقاطع عدة مرات في اليوم الواحد وأرى بكل جلاء الفرق بين ما كان يحدث سابقاً وكيف تم قطع الطريق على محبي ممارسة القفز من أقصى اليمين، للدوران خلفاً من أقصى اليسار، وكنت أحمل هماً للمرور ليلاً بذلك التقاطع في شهر رمضان, ووالله، وبالله وتالله، كنت أقضي ما يقارب عشرين دقيقة، محصورة سيارتي وسط أرتال السيارات شبه المتوقفه، بين اشارة صلاح الدين واشارة ذلك التقاطع، أما الآن وقد مضت من الشهر الكريم بضعة ليال فأقطع بأننا كنا فين وصرنا فين بمجرد اغلاق بعض المداخل والمخارج وازاحة موقع البعض الآخر، وأتوقع أن تغييرات من هذا النوع تمت في أماكن أخرى من الرياض. ليس هذا فحسب، حواجز حديدية تركب فوق الأرصفة بألوان حمراء وخضراء. لوحات تفيد بأن هذا المخرج أو ذاك سيغلق فيما بين الساعة الفلانية والساعة الفلانية ساعات الذروة وهذا أمر جديد فعلاً! المرور يحترم الناس وبالتالي ينتظر منهم أن يحترموه، هو لا يفاجئهم بأن هذا المدخل مغلق، ولكنه يخبر مسبقاً كل ذي عينين، لم نكن بحاجة لعبقري ليعلم المرور أهمية هذه الأمور الصغيرة البديهية، ولكننا في حاجة لرجل ذي عزم على قدره تأتي العزائم. أرجو مخلصاً ألا يتوقف الأمر عند ربط الحزام، والسلام! وأرجو ألا يقول مسؤولو المرور انهم فعلوا ما عليهم، فمن قبل وضعت كثير من لوحات الإرشاد الخرساء أصبحت تسلية لمحبي التصادم، فتجد هذه معكوفة، وتلك منبعجة، وتيك تكاد تلامس الأرض اطراقاً وخجلاً، وأنا أعرف عدداً منها ما زال وضعها كذلك لعدد من السنين, ومن قبل زينت الطرق بالمسارات، وزرعت فيها عيون القطط، ووضعت العلامات الأرضية، ولونت حدود الوقوف عند الاشارات، فمحا الزمن لونها، وأصبحت مثل الطلول بحاجة لشاعر يناجيها. ولكن أرجو أن تستمر فرحتنا وأن يزداد شعورنا بالأمان والسلامة في الشوارع والطرقات، بخطوات أخرى وعمل مستمر، وألفت نظر مسؤولي المرور الكرام إلى الأمور التالية، فلعلها قد خفيت عليهم، أو أنهم يضعون جزءاً منها لمرحلة قادمة، ولكني أقولها من باب زيادة الخير خيرين، وباب الذكرى والتذكرة: 1 في ذلك التقاطع المذكور آنفاً، شيء شبيه بلزوم ما لا يلزم، فبالرغم من وجود طرق خدمة للمتجهين يميناً، إلا أن كل جانب من الطريق الرئيسي يزدان بفتحه قبل الإشارة الضوئية، مؤدية إلى اليمين، ومحدودة برصيفين كبيرين, ولأن الأغلبية الساحقة من سائقينا السعداء يؤمنون إيماناً مطلقاً بان الانعطاف يميناً أثناء الإشارة الحمراء حق طبيعي، ومكتسب، خالد مخلد لا ينتزعه منهم إلا ضابط، فما زال السيرك منصوباً للاتجاه يميناً بقوة اعتلاء الرصيف، ومصحوباً بأوركسترا البواري والزعيق والشتائم, هل لتلك الفتحات من داع طالما أن كلاً من طرق الخدمة تلك تتسع لثلاثة مسارات؟ 2 يقع على يمين الجزء الشمالي من طريق الملك عبدالعزيز مباشرة بعد طريق الأمير عبدالله سوق صغير للكمبيوتر، ولأنه كذلك فالتقاطر عليه مثل الحجل على الماء, والمشكلة الأولى هنا أن مدخل طريق الخدمة يقع مباشرة أمام السوق مما يجعله خطراً قائماً، والأخرى، أن هذا السوق، لصغره يحوي موقف سيارات صغير فتتزاحم السيارات الواقفة والخارجة والداخلة، ويعمد أصحاب السيارات إلى الوقوف صفين أو ثلاثة في طريق الخدمة، وأمام مدخله ذاك. 3 الأرصفة الفاصلة بين طرق الخدمة والشوارع الرئيسية في الرياض كبيرة وتحوي أعمدة النور وبالتالي فإن التفكير بازالة تلك الأرصفة يعد من أضغاث الأحلام، ولكن الأرصفة في جدة لا يتجاوز عرضها 20 سم، وبالتالي فإن ازالتها سهل، آخر رحلة لي إلى جدة كانت في بدايات رجب وكانت لأقل من أربع وعشرين ساعة، وكدت أن أتعرض لحادث عنيف عند قدومي من المطار، وآخر مثله عند ذهابي إليه بسبب تلك الأرصفة بالمناسبة لم أكن أسوق السيارة في الحالتين . 4 لماذا لا يفرض على المدارس حكومية وأهلية أن تتحمل مسؤولية تنظيم المرور في مواقفها، وحواليها، أوقات الحضور والانصراف, ونفس الشيء ينطبق على المحلات التجارية الكبيرة والأسواق، أليست تلك المواقف جزءاً من العين المملوكة؟ 5 ان توضع في مداخل المواقف الخاصة بالأسواق والمدارس والمحلات ومحطات البنزين، ومخارجها حواجز حديدية أرضية متحركة تجبر السائق على اتباع الاتجاه الصحيح وإلا تلفت العجلات، زمان، في المستشفى سابقاً، كان هناك ممر ضيق ذو اتجاه واحد وكان بالنسبة للأطباء والموظفين ممراً يختزل المسافة Shortcut فكانوا يسلكونه في الاتجاهين ولا أنزه نفسي بالرغم من اللوحات الإرشادية المعدنية، والمطب الاصطناعي، والمذكرات المكتوبة، وبوس اللحى، وفوجئ أحد الموظفين المتعودين ذات صباح بأنياب حديدية بارزة بلون أصفر لامع نهشت عجلتي سيارته عند المخرج الذي اعتاده مدخلاً، ودفع ذلك الزميل ثمن معرفتنا ان ساعة الهزل قد ولت، وصرنا في كل صباح نمر بذلك الطريق ونرمق تلك الأنياب الحديدية ونقول سقى الله زمناً كنا لا نخشى فيه على اللهو ناهياً بصراحة عقلياتنا هكذا، ولا ينفع معها إلا ذا، يتساوى فيها الوجيه الأمثل والفراش الأعزل. 6 اخيراً وليس آخراً، هناك صنف شائع بكثرة من السائقين لا يفرقون عن سارقي الحقوق, يقدمون بسياراتهم فيجدون السيارات واقفة أمام الإشارة الحمراء فيتسللون من شق في أقصى اليمين لسيروا كالبهلوان على حبل كي يصلوا إلى الاشارة، فيزاحمون الواقفين هناك قبلاً ومن انتظروا تعاقب الأحمر والأخضر عدة مرات, أليس في هذا اعتداء على حق الآخرين في الطريق؟ ومثلهم أولئك الذين يسوقون على كتفي الطريق جانبي الطريق المحدودين بالأصفر وفي الطرق السريعة يتحولون إلى وقود جاهز للحوادث الشنيعة. ولا يكتمل قولي هذا إلا بتوجيه الشكر والتقدير لكل القائمين على هذه الحملة المباركة، والمساهمين فيها صغيرهم وكبيرهم, وآمل أن تسفر هذه الحملة عن غيث يقطر سلامة وأمناً على أرواحنا وأجسادنا واحبتنا في الطرقات. فاكس: 4782781 [email protected]