ان للتاريخ تأثيراً كبيراً على حياة الانسان ومستقبله ولقد اهتم القرآن الكريم اهتماماً كبيراً بأحداث التاريخ وخصص لها مساحة كبيرة في سوره وآياته اختار منها الجانب المؤثِّر المنسجم مع الموضوعات التي عالجها. ومن الأحداث التاريخية التي اهتم القرآن الكريم بها، أخبار بني اسرائيل، فقد اهتم بها بسبب ارتباطهم الوثيق بأرض العرب وما حولها، وأيضاً بسبب كثرة الأنبياء والمرسلين الذين بُعثوا فيهم، ولاشك ان اخبار القرآن الكريم عن بني اسرائيل أصح الأخبار وأوثقها، أظهر سبحانه من خلالها الصورة الحقيقية لليهود، قال تعالى: إن هذا القرآن يقصّ على بني اسرائيل أكثر الذي هم فيه يختلفون النمل/76. والعجيب الملفت للأنظار أنه سبحانه وتعالى ذكرهم في القرآن الكريم باسم بني اسرائيل أكثر من ذكره لهم باسم اليهود، فقد تكررت كلمة اسرائيل في القرآن في اثنين وأربعين موضعاً، بينما تكررت كلمة اليهود، في ثمانية مواضع، وكلمة هادوا في عشرة مواضع,يقول الاستاذ عبدالحميد طهماز في كتابه يابني إسرائيل : والجدير بالذكر أن اليهود قد أصرّوا في عصرنا الحاضر على تسمية أنفسهم ب (الاسرائيليين)، وعلى تسمية دولتهم التي أقاموها في فلسطين بدولة اسرائيل. وقد خاطب الله تعالى بني اسرائيل مباشرة في القرآن الكريم أربع مرات، كما في سورة البقرة الآيات 40 46، والآيات 47 61، والآيات 122 141، وسورة طه الآيات 80 97، وناداهم في كل مرة بقوله الكريم: يابني اسرائيل ، خاطبهم عز وجل بالخطاب الذي يحبونه ويعتزون به، وهو انتسابهم العرقي إلى اسرائيل نبي الله يعقوب عليه السلام. وحُقّ لموسى عليه السلام أن يأسف ويحزن وهو يواجه من قومه بني اسرائيل الجحود والخذلان مع الوقاحة وسوء الأدب، فلا يملك إلا أن يتوجه إلى الله تعالى بكلمات تقطر حزناً وأسى قال رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين المائدة/25. فكثيراً ما اعترض بنو اسرائيل على موسى عليه السلام ووجهوا إليه أسئلة تدل على وقاحتهم وعدم ثقتهم به كقولهم: وإذ قلتم ياموسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة، فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون البقرة/55 وكأسئلتهم عن أوصاف البقرة التي أمرهم عليه السلام بذبحها، والتي أدّت إلى أن يشدّد الله عليهم، وأن يصفهم تعالى بقسوة القلوب، فيقول مؤنباً لهم: ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار البقرة/74. ولهذا حذّر سبحانه أصحاب نبي الهدى أن يكونوا مثل بني اسرائيل فقال جل وعلا: أم تريدون أن تسألوا رسولكم كما سئل موسى من قبل البقرة/108. وليس هذا شأن بني اسرائيل مع موسى عليه السلام وحده، بل كان شأنهم وديدنهم مع جميع الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام، قال عز وجل: الذين قالوا إن الله عهد الينا ألا نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار، قل قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات وبالذي قلتم، فلم قتلتموهم إن كنتم صادقين آل عمران/183، فهم قتلة الأنبياء والمرسلين، كما قال سبحانه: أفكلما جاءكم رسول بما لاتهوى أنفسكم استكبرتم، ففريقاً كذبتم، وفريقاً تقتلون البقرة/87,وقد لعنهم الله سبحانه وأبعدهم عن رحمته بسبب نقضهم ميثاقهم، كما جعل قلوبهم غليظة قاسية لاتقبل الحق ولاتُذعن له، وتركوا قسماً كبيراً مما كُلّفوا به وأصبحت الخيانة لازمة لهم، قال تعالى: فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية المائدة/13. هكذا استحق بنواسرائيل لعناً من الله تعالى وغضباً متتابعاً مترادفاً بسبب كفرهم السابق واللاحق وإعراضهم عن دين الله وشريعته، ومواقف الجحود والعناد من أنبيائهم. وأنزل تعالى في ذلك قوله الكريم: قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله، من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت، أولئك شر مكاناً وأضلّ عن سواء السبيل المائدة/60. وكفر بني اسرائيل كفر عريق متوارث. قال تعالى في سياق حديثه عن جرائم بني اسرائيل التاريخية الكبرى في سورة النساء: فبما نقضهم ميثاقهم أي غضبنا عليهم ولعناهم وفعلنا بهم ما فعلنا بسبب نقضهم ميثاقهم. وكفرهم بآيات الله أي وبسبب كفرهم بآيات الله تعالى التي أنزلها عليهم في التوراة. وقتلهم الأنبياء بغير حق كزكريا ويحيى عليهما السلام. وقولهم قلوبنا غلف، أي قلوبنا محجوبة عن دعوتك ورسالتك، وهو ما قالوه لخاتم الأنبياء محمد عليه السلام عندما دعاهم للإسلام، قال سبحانه: وقالوا قلوبنا غلف، بل لعنهم الله بكفرهم، فقليلاً ما يؤمنون البقرة/88 . ختاماً أقول إن الواجب على المسلمين في العصر الحاضر ان يجددوا موقفهم من بني اسرائيل على ضوء الصورة الحقيقية التي رسمها لنا ربنا سبحانه في كتابه العزيز. د, زيد بن محمد الرماني عضو هيئة التدريس بجامعة