إنّ التاريخ ليس مجرّد روايات للقصص والأحداث وحسب، بل هو تربية، ودروس، ومواقف تعليمية راقية، ونقل حي يرى النشء من خلاله ما كان عليه الآباء والأجداد من شظف العيش وقسوة الحياة، وبالتالي يدركون أنهم يرفلون في النِّعم والعيش الرغيد ويتمتعون بحياة كريمة، وبهذا يشكرون الله تعالى حق شكره ويمجدونه بما هو أهله. التاريخ ليس حكواتياً يحفظ نصاً مترابطاً صاغه من وحي فكره يشد به من حوله ليقتل ساعات الفراغ لهم، با هو مشاهد فيها عبر، وصور تغني عن أوقات كثيرة نقضيها لنتعلّم مفهوماً من المفاهيم بحثاً عن كمال في المنظومة الأخلاقية أو الاجتماعية أو غيرها لدينا، إننا مهما أسرفنا في الحديث عن التاريخ ودراسته والتعلُّق به فلن نوفيه حقه من الثناء والتعبير عن أهميته، وفي كتاب الله عزّ وجلّ أعظم كلام وأجلّ ثناء على التاريخ وقصص من قبلنا: {فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} (الأعراف 176)، والتفكر جالب للتغيير للأفضل والعمل بما هو أنفع وأجدر. في هذا المقال سأتحدث عن وقائع وأحدث جرت في سنوات من تاريخ الجزيرة العربية، جعلها الناس تأريخاً لمواليدهم وزواجاتهم ولمعاملاتهم وبيعهم وشرائهم وذكرياتهم وأطلقوا أسماء الوقائع والأحداث على تلك السنوات، فقد قالوا سنة السبلة مثلاً، وهي سنة مشهورة حاسمة في تاريخ البلاد (1347ه )، ونقصد المعركة التي جرت بين قوات الملك عبد العزيز وجيش الإخوان في شهر شوال قرب الزلفي وحقق فيها الملك رحمه الله انتصاراً كبيراً، فمن وُلد في تلك السنة أو قريباً من تاريخ وقوع المعركة قيل: « فلان مولود سنة السبلة « وهكذا ، ولا تقتصر الأحداث والوقائع على الحروب والمعارك بل تمتد لما يصيب الناس من قحط وجوع وأمراض وأمطار وأحداث كونية ككسوف وما شابهه وحروب ومعارك. ولقد ربط الناس تأريخهم بوقت تلك الأحداث نظراً لجهلهم بتاريخ السنوات ، أما الشهور فهم بارعون في تأريخها لارتباطها بكثير من تعاملاتهم وحياتهم اليومية كالعبادات والزراعة وغيرها عبر منازل القمر ومواقع النجوم ومعرفة الأنواء، يقول محمد العلي العُبَيِّد في تاريخه (النجم اللامع للنوادر جامع (مخطوط) حين كان يتحدث عن قصة:» خيال سبلا مصلط « والواقعة التي وقعت بين أهل عنيزة ومصلط بن ربيعان، يقول العُبَيِّد: (وهذه الوقعة مشهورة عند أهل عنيزة خصوصاً القدماء منهم فيؤرخون السنين بها وبأمثالها من الوقائع فيقولون سنة سبلا وسنة بقعاء وسنة الجوى وسنة المليدا وسنة المطر، يشيرون إلى وقعة الوادي ثم يعدون من الوقائع إلى حوادث السنين فيقولون سنة البرد بفتح الراء وسنة البرد بسكون الراء وسنة الجوع وسنة الرحمة حين ما (حينما) حل الوباء 1337ه وسنت (سنة) الزعابه وهي سنة 1297ه فيها ماتت الإبل كلها التي يسنونها على مزروعاتهم فكانوا يزعبون على ظهورهم فسمّيت سنة الزعابة وأشكالها كثير)، وزيادة على الجهل وانشغال الناس غياب المؤرّخين الذين يهتمون لتوثيق حاجات الناس، يقول الدكتور فايز البدراني في كتابه أشهر التسميات المحلية للسنوات الهجرية: (ونتيجة لغياب التاريخ والمؤرّخين وعدم معرفة العامة للتاريخ الهجري في حسابهم للسنوات، فقد لجأوا إلى التاريخ بأهم الحوادث التي تحصل في كل سنة، كأن يقولوا إنّ فلاناً وُلد يوم جراب، أو يوم الرحمة، أو سنة الجراد، أو سنة السبلة .... إلخ). وتختلف المسمّيات من بلد لآخر لحدث واحد، وقد يحدث في ذات السنة حوادث في كل بلد، فتعرف سنة هذا البلد بغير ما تعرف سنة البلد الآخر وعلى هذا ينبّه المؤرّخ البدراني ويقول: (ولأنّ هناك حوادث متباينة في كل منطقة، فقد تعدّدت التسميات التاريخية لكل سنة حسب المنطقة أو القبيلة، حتى أصبح لكل منطقة ولكل قبيلة تسمياتها الخاصة بها، مما نتج عنه تعدُّد الأسماء وتباينها وصعوبة الاستفادة من تلك المعلومات المتضاربة حول هذا الموضوع، خاصة لمن يتتبّع الروايات العامية كمصدر مهم للتاريخ المحلي، يحتاج معها الباحث إلى تحديد زمن الحوادث ؛ خصوصاً المواليد والوفيات للرواة أو غيرهم من شخصيات البحث). ونأتي على بعض الأسماء لوقائع وقعت في نجد وجعلت تأريخاً للناس: يقول بن عيسى في تاريخ بعض الحوادث الواقعة في نجد: (وفي 1047 القحط العظيم المسمى بلادان)، ويقول: (وفي 1065 القحط الشديد المسمى هبران)، كما حصل عام 1077 قحط سمي صلهام تضرر منه أهل الجزيرة العربية، يقول بن عيسى عن أحداث تلك السنة: (وهي أول القحط والغلاء العظيم المسمى صلهام، هلك فيه بوادي عدوان وغيرهم، واستمر إلى سنة 1078، وأكلت الميتات والكلاب، واشتدت الحال على أهل مكة المشرفة، وفيهم من باع أولاده ). وجاء في تاريخ بن يوسف: (وفي سنة ست وسبعين وألف مات زيد بن محسن الشريف وهي أول صلهام) ثم أعقب ذلك القحط أمطار وخيرات ورخص في الأسعار، يقول صاحب تاريخ بعض الحوادث الواقعة في نجد: (وفي سنة 1079 أرخص الله الأسعار، وكثرت الأمطار، وأخصبت الأرض، وسموا أهل نجد هذه السنة (دلهام رجعان صلهام). وأطلق الناس على سنة 1139ه بسنة الذرة بسبب كثرة الأمطار والسيول، يقول ابن عباد عن حوادث 1139ه: (وهي التي تسمى سنة الذرة، لأن البلدان فاض ماؤها، وزرع الناس ذرة كثيرة في كل مكان)، وسميت سنة 1168 بسنة مطرب، ومطرب اسم للربيع والخصب الذي حدث في هذه السنة وجعل الفاخري وابن بشر سنة مطرب 1169 حيث قال الفاخري: (وفي سنة تسع وستين ماية والف بكر الوسمي وكثرة السيول والخصب وسميت سنة مطرب )، كما قال ابن بشر في حوادث سنة 1169: (وفيها في أولها أنزل الله الغيث في الوسمي وكثرة السول والخصب، وارخص الله الأسعار على عباده وسميت سنة مطرب)، كما أرّخ الناس سنة 1277ه بسنة الطبعة وهي سنة غير السنة التي غرقت فيها السفن والمراكب ومات من كان على متنها نتيجة الأعاصير التي هبت حينها على الخليج العربي، وذلك سنة 1344ه، ولكننا نقصد سنة إبان الدولة السعودية الثانية تسمى سنة الطبعة، يقول بن عيسى: (وفي سنة 1277 غزا عبدالله الفيصل، وقصد العجمان وأخذهم بالقرب من الجهراء، وقتل منهم خلايق كثيرة، وغرق منهم في البحر خلق كثير وذلك أنهم دخلوا البحر وهو جازر فمد عليهم وغرقوا، وتسمى هذه الوقعة (الطبعة) وذلك يوم خامس عشر رمضان من السنة المذكورة)، وأطلق على سنة 1319ه سنة الفقع، لكثرة الكمأة، وسنة جراب تلك السنة التي جرت فيها وقعت جراب المشهورة عام 1333ه، وسنة الرحمة أو الصخونة عام 1337ه، يقول عنها البسام صاحب تحفة المشتاق: (وفي هذه السنة وقع في بلدان نجد وباء عظيم وعم جيع بلدان نجد والعربان، ومات فيهم خلائق لا يحصيهم إلا الله، ومات في هذا الوباء تركي بن الإمام عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل فيصل في بلد الرياض رحمه الله تعالى)، وفي عام 1346ه عمّ الجزيرة العربية الجراد فسميت سنة الجراد وقد تعدّدت سنوات سميت بهذا ومنها سنة الدبا 1364ه (سليمان بن ابراهيم الدخيل، ثرمداء عبر التاريخ ص 223) والدبا هو صغار الجراد، بل سمي عام 1362ه عند أهل الحجاز ب« سنة الأمريكاني، وذلك أنه وصل فريق أمريكي لمكافحة الجراد ورشه بالمبيدات لأول مرة (البدراني، أشهر التسميات المحلية للسنوات الهجرية ص279)، وحين وزعت الدولة عام 1359ه السكر على السكان سميت تلك السنة سنة السكر الحمر (المصدر السابق)، وأصاب الناس عام 1360ه مرض يسمّى بين العامة بالشهاقة وهو شبيه بالسعال الديكي إن لم يكن هو، وبهذا سميت تلك السنة بسنة الشهاقة وشاع بين الناس مقولة: « دواء الشهاقة حليب النهاقة « ويسميه أهل اليمن بالقحدد، وتسمّى سنة 1373ه بسنة وفاة الملك عبدالعزيز، حيث توفي طيّب الله ثراه يوم 2-3-1373ه. هناك سنوات تخص بعض المدن وبعض القرى وتسمياتها تخصّهم دون غيرهم، ومنها للمثال لا الحصر: سنة الهدام 1376ه وهي سنة أمطار اجتاحت القصيم هدمت البيوت وشرّدت الناس، واستمر المطر فيها لأيام (أنظر تذكرة أولي النهى والعرفان بأيام الله الواحد الديان وذكر حوادث الزمان لإبراهيم بن عبيد آل عبدالمحسن رحمه الله)، ومن ذلك أهل ثرمداء حين أطلقوا على عام 1373ه بسنة الزينة، وهو العام الذي زار فيها الملك سعود ثرمداء ووضعت له الزينات والسرادق في أرض الصحن (الدخيل، ثرمداء عبر التاريخ). حين نقف هنا فإننا نقف لمحدودية المساحة في ظل تاريخ ثري وغني بالأخلاق والعادات الجميلة والقلوب الطاهرة النقية، يعود على من يهتم به بالسمو والرفعة في حاضره ومستقبله، وإنّ ما مر بنا من تاريخ وأحداث في تلك السنوات كانت نتاج انعدام الأمن والفوضى في البلاد ونتاج تشرذم وتشتت لكل البلدان، حتى أرسى الدعائم للدولة مؤسسها فضخّ جهده وعرقه في شرايينها، فانتعشت وحلّقت بين دول العالم حضارة وتقدماً، وعليه فالمواطن في المملكة العربية السعودية يجد عيشاً رغيداً واهتماماً به من قائد هذه الأُمّة خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين وإخوانه ووزرائه، حفظهم الله لنا ذخراً وسدّد خطاهم ووفقهم لكل خير. - ثرمداء تويتر @sdokhail