تزخر بلادنا بالآثار التي ظلت شامخة على مدى القرون رغم عوامل التعرية التي أتت على الكثير من معالمها ورغم الإهمال والتجاهل والنظرة العدائية من قِبَل البعض تجاه الآثار. وكان مجرد الحديث عن الآثار والمطالبة بالعناية بها وترميمها وصيانتها تجلب على من ينادي بذلك الكثير من المتاعب، وذلك بسبب سوء الفهم الذي كرسته نظرة قاصرة تجاه الآثار. وبسبب ذلك فقد خسر الوطن الكثير من المعالم الأثرية التي صمدت قروناً طويلة حتى امتدت إليها أيدي التخريب والاعتداء وعوادي الزمن. ورغم جهود وزارة المعارف سابقاً، وهي الجهة التي كانت مسئولة عن الآثار، فإن بعض الآثار قد اختفت إلى غير عودة. وتحاول الآن الهيئة العامة للسياحة والآثار أن تحافظ على ما تبقى من المعالم الأثرية المتناثرة في طول البلاد وعرضها، لكن الهيئة في سباق مع الزمن، فهي تبني وغيرها يخرب وما زال هناك من يعتقد أن الآثار «رجس» ومن يعتقد أن الاهتمام بها هو مضيعة للوقت وكأن الاهتمام بالآثار لا يمكن أن يتحقق إلا على حساب مشاريع الحاضر! لكن ما يسعد هو أن هناك جهوداً تبذل الآن لحماية وصيانة وترميم الآثار تقودها الهيئة العامة للسياحة والآثار. وهناك جمعيات وهيئات أهلية وبعض الجامعات السعودية تحاول إنقاذ ما يمكن انقاذه من هذه الآثار. وقد بادرت مؤسسة عبدالرحمن بن أحمد السديري الخيرية بالجوف إلى إقامة ملتقى ثقافي في نهاية الأسبوع الماضي بمدينة سكاكا تحت عنوان «آثار المملكة: إنقاذ ما يمكن إنقاذه» تحدث فيها العديد من الباحثين وأساتذة الجامعات والمسؤولين وغيرهم من المهتمين بالآثار على مدى جلسات عديدة كشفوا من خلالها واقع الآثار في بلادنا في الوقت الحاضر وأهميتها الثقافية والاقتصادية والاجتماعية والحضارية والخطوات المأمولة من الدولة ومن المجتمع لحماية الآثار والاهتمام بها. لقد بينت أوراق العمل التي قُدمتْ في ذلك المنتدى ما تتمتع به بلادنا من كنوز آثارية، وضرورة العمل سريعاً وعاجلاً للاهتمام بها قبل فوات الأوان. ولا شك أن التوصيات المنبثقة عن الملتقى سوف تسهم في علاج المشكلات التي تتعرض لها الآثار في المملكة إذا ما تم تطبيقها. لكننا نتمنى أن لا تبقى تلك التوصيات مجرد حبر على ورق بل تُفعَّل من قبل الجهات ذات العلاقة ليكون لذلك الملتقى الفكري فائدة عملية ملموسة وليس فقط مجرد لقاء ثقافي يتبادل فيه الباحثون والمهتمون الآراء والمعلومات. أخيراً، كل التقدير لمؤسسة عبدالرحمن بن أحمد السديري التي بادرت إلى إقامة الملتقى في إطار أنشطتها المستمرة على مدى العام في كل من منطقة الجوف ومحافظة الغاط، وشكراً لها على مبادرتها لتكريم الآثاري الرائد والعالم الكبير الدكتور عبدالرحمن الطيب الأنصاري، والشكر موصول لجريدة الجزيرة على رعايتها الإعلامية لتلك الفعالية المهمة. [email protected] ص.ب 105727 - رمز بريدي 11656 - الرياض