حتى وقتٍ قريب كانت الآثار في بلادنا مهملة إلى حدٍ كبير.. وهي آثار قليلة على أي حال وخصوصاً عند المقارنة مع آثار بلدان أخرى كمصر واليونان.. وهذا لا ينفي الجهود الفردية التي قام بها أشخاص، مثل الدكتور عبد الرحمن الطيب الأنصاري وآخرون، والجهود المُنَظمة كتلك التي قامت بها وكالة الآثار والمتاحف بوزارة المعارف سابقاً التي أجرت بعض الدراسات والمسوح الأثرية وأصدرت بعض الكتب والمطبوعات عن الآثار.. ثم جاءت النقلة الحالية بعد إلحاق قطاع الآثار بالهيئة العامة للسياحة والآثار. ومع ذلك ما زالت المواقع الأثرية بحاجة إلى المزيد من الاهتمام، بل أحياناً إلى الإنقاذ من الاندثار التام. وقد كانت عوامل التعرية المناخية في بيئتنا الصحراوية القاسية والنظرة المستريبة للبعض تجاه الآثار من أبرز الأسباب التي أدت إلى اندثار وضياع المواقع الأثرية في بلادنا.. وقد حان الوقت لإيقاف ذلك. من المؤسف أن يُنظر إلى موضوع الاهتمام بالآثار على أنه موضوع ثانوي، بل يُنظر إلى الآثار نفسها أحياناً بسلبية تامة. فالآثار تمثّل الإرث الحضاري لأي بلد.. والمجتمعات تفاخر بهذا الإرث كدليل على عراقة شعوبها وإسهام هذه الشعوب في المسيرة الإنسانية. وحتى البلدان التي تفتقر إلى ماض حضاري عريق، كالولايات المتحدةالأمريكية، سعت دائماً إلى ما يشبه «اختراع» ماضي حضاري وهي تعلم أنه قليل القيمة بالمقارنة بحضارة المجتمعات القديمة التي تركت كنوزاً من الآثار العظيمة. ومنذ مدة بدأت الهيئة العامة للسياحة والآثار حملة وطنية لاستعادة آثار المملكة من الداخل والخارج ودعت كل من يملك قطعاً أثرية إلى تسجيل وتوثيق هذه القطع في سجل الآثار الوطني. وقد بادر العديد من المواطنين إلى تسليم ما لديهم من هذه القطع الأثرية إلى فروع الهيئة العامة للآثار والسياحة في مختلف مناطق المملكة وتسجيلها وتوثيقها. هذا الجهد يجب أن يستمر، وأن تصاحبه حملة توعوية لأن بعض من يملكون القطع الأثرية قد لا يدركون قيمتها.. وربما تتعرض للضياع إذا انتقلت إلى الورثة بينما هي في الواقع مُلكية وطنية تختزن تاريخ الوطن والمنطقة منذ أقدم العصور. لكن الأمر لا يرتبط فقط بالقطع الأثرية، وإنما أيضاً بالمواقع الأثرية نفسها. أذكر في طفولتي الكثير من المواقع الأثرية في منطقة الجوف، وخصوصاً في دومة الجندل، لكن بعضها اختفى الآن.. وقد سمعت قصصاً تدور على ألسنة الناس عن استيلاء البعض على قطع أثرية من أماكن عامة، أو عثور بعض الأشخاص على قطع أثرية في مزارعهم وممتلكاتهم وعقاراتهم وهم غير مدركين لأهميتها التاريخية. الآثار ليست منتجات نستوردها من الخارج، ولا ناطحات سحاب نبنيها بأموالنا. ما يذهب منها لا يعود أبداً، وستكون خسارتنا وخسارة الأجيال القادمة فادحة إن لم نتمكن من المحافظة على ما تبقى من هذه الآثار، وقد فقدنا الكثير منها على مدى نصف القرن الماضي.. وهي آثار صمد بعضها لقرون طويلة قبل أن نفرط فيها.. فهل نستطيع إنقاذ ما تبقى قبل فوات الأوان..!؟ [email protected] ص.ب 105727 - رمز بريدي 11656 - الرياض