لقد منَّ الله على المسلمين بأن يسّر لهم إتمام نسكهم بعد أن وقفوا في تلك الرحبات مهللين مكبرين ملبين راجين رحمة الله، راغبين في مرضاته، قد وعدهم ربهم وعدًا حسنًا (أرجعوا مغفورًا لكم). فهنيئًا لك أيها الحاج هذه البشارة وعدًا حميدًا بإذن الله وأنت ترفل في ثوب الصحة والعافية، فرحًا مسرورًا برجوعك كيوم ولدتك أمك، قد كفّر الحجُّ آثامك وثقّل بالعمل ميزانك، فأحمد الله أيها الحاج على هذه النعمة، واستقم على طاعة الله وتزوَّد من الأعمال الصَّالحة، وإياك واتباع الهوى فيضلك عن سبيل الله، فهل ترضى أن تعود إلى المعصية بعد أن ذقت حلاوة الطاعة. نعم أيها الحاج لقد بدأت اليوم صفحة جديدة في حياتك فاملأها بالعمل الصالح ولا تدنسها بسوء، وأشكر الله على ما أنت فيه فبالشكر تدوم النعم، كيف وقد قدمت بحظ وافر من الأجر والثواب، فلا تهدم ذلك البناء الشامخ الذي شيدته بالعمل الصالح، واستقم كما أمرَّت واعبد ربك حتَّى يأتيك اليقين. أخي الحاج: لا تغتر بإمهال الله لك وسعة حلمه عليك فإنَّ الله غيور على نعمه، وتذكر انصرام الليالي والأيام فالآجال محدودة والأنفاس معدودة. أخي الحاج: اعلم أنه برجوعك إلى أهلك وذويك سليمًا معافى كأنك خلقت من جديد، فجدد العهد مع الله، وليكن حجك زادًا من زاد التَّقوى بعد أن لبيت النداء وقدمت الفداء وتكبّدت العناء وتضرعت بالدُّعاء، فحجك مأجور وذنبك مغفور وسعيك مشكور. لا بد أن يكون للحجِّ إثرٌ على أخلاقك وسلوكك من حسن إلى أحسن، واحذر من الفتور في الطاعة، وكن وقافًا عند حدود الله، فإنك اليوم إنسان آخر ولدت من جديد والله على عملك شهيد، فلا تيأس من رحمة الله فإنَّ اليأس قنوط، وتذكر قول نبيك محمد صلَّى الله عليه وسلَّم: (الحجُّ المبرور ليس له جزاء إلا الجنة). ما أجمل أن يَرَى العبد آثار نعمة الله عليه وهو عائد إلى أهله من تلك العبادة، فيا لها من فرحة غامرة تتأجج في الصدور، وقد تَجرَّد الحاج من حظوظ الدُّنْيَا وشهواتها وأقبل على الله بعد أن شهد منافع الحجِّ وقام بالعج والثج ووقف بعرفات وسكب العبرات ونال من ربه الفوز بالجنات، فاللهم تقبل من المسلمين حجهم وأنعم عليهم برضاك، ووفق من قام على خدمتهم وراحتهم إلى كل خير، والله لا يضيع أجر من أحسن عملاً. [email protected] المعهد العالي للقضاء