من المعلوم أن هناك أشياء مشتركة بين بني الإنسان، من خلالها يتعاملون، وبها يتعايشون، وذلك من خلال العهود والمواثيق التي توثق تلك العلاقة، وتقوي أواصرها القائمة على الحوار والشفافية وحسن التعامل، والتي مبناها الاحترام المتبادل والأمانة والوفاء، وعلى الصدق المبني على العدل والإنصاف، والبُعد عن الظلم، وخصوصا ظلم الإنسان في مقدساته أو معتقده أو أخلاقه ومبادئه.. وأعظم حق نؤمن به وندين الله بحبه هو نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - رسول الله، صاحب المقام المحمود، واللواء المعقود، هو النعمة المسداة، والرحمة المهداة، الرؤوف بأمته، الرحيم بهم، رسالته رحمة للعالمين، وبعثته هداية للخلق أجمعين، يقول الله فيه وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ، اتصف بالرحمة قولاً وفعلاً فقال: «الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء». شملت رحمته الخلق أجمعين حتى الحيوان والطير (ثبت أن حمّرة - وهي طيرٌ من الطيور معها فرخان - أخذ الصحابة فراخها، فأصبحت الحمّرة ترفرف فوق رأسه، فقال صلى الله عليه وسلم «من فجع هذه بفراخها؟» ثم قال لصحابته وهو ينظر إلى هذا الطائر يرفرف حوله من فجعها بولدها «ردوا أولادها إليها»). ويأتي إليه الجمل يعدو فيضع رأسه على صدر الرسول - صلى الله عليه وسلم - فيبكي ويشتكي من ظلم صاحبه له، فينتصر له الرسول الحبيب، وينصفه من صاحبه. هذا نبينا، وهذا هو رسولنا، الذي زكاه الله في خُلقه بقوله وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ وزكاه في فؤاده بقوله مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى وزكاه في صدره فقال أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ وزكاه في علمه بقوله عَلَّمَه شَدِيدُ الْقُوَى . هذا نبينا الذي كان يدخل في الصلاة فيريد إطالتها فيسمع بكاء الطفل فيخففها خوفاً من أن يشق على أمه. يأتيه ملك الجبال ليأخذ الأمر منه صلى الله عليه وسلم بأن يطبق الجبال على قومه الذين آذوه وسخروا منه، ومع ذلك يقول برحمة وشفقة «لا، لعل الله أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً». ومع هذه السيرة العطرة لنبينا - صلى الله عليه وسلم - إلا أن هناك قلوباً حاقدة، وأنفساً بغيضة، وأعيناً حانقة، قد صمت آذانها، وعميت أبصارها عن هذه المعاني الجليلة والصفات الجميلة. سخرت قنواتها وصحفها للنيل من نبي الرحمة والتنقص من ذاته الشريفة والتطاول على مقامه الرفيع عبر إعلام حاقد وفكر تائه، تحت غطاء حرية الفكر واحترام الرأي الآخر. إنه أمر يحز في النفس، ويدمي القلب أن ترى هذا التجاوز وهذا التطاول على سيد الخلق وأشرفهم الذي هو - بآبائنا وأمهاتنا - ما من خير وفضل ونعمة نحن فيها إلا بفضل دعوته، وعظيم رسالته. والسؤال الكبير: ما دورنا وما موقفنا من هذه الحملة الشرسة على حبيبنا وقدوتنا رسول الله؟ ما واجبنا تجاه هذه الحملة الحاقدة؟ وقبل أن نجيب عن هذا السؤال ليعرف الجميع أن الله مُعلي كلمته وناصر نبيه فهو القائل سبحانه إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ ، وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ . ونحن هنا نذكّر بوصية الله لنبيه عندما كان يلاقي مثل هذه الهجمات العدائية بقوله فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ ، وقوله وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً ، فيحذر المرء من ردات الفعل غير المنضبطة، التي قد يكون لها مردود سلبي على الإسلام والمسلمين من إزهاق أنفس بريئة إو اتلاف أموال وممتلكات أو ترويع الآمنين؛ لذا ينبغي أن يعلم أن أعظم نصر لنبينا - محمد صلى الله عليه وسلم - هو بتمسك بدينه، واتباع سنته، واقتفاء أثره، عقيدة وشريعة وسلوكاً وأخلاقاً فهو القائل «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق» وديننا انتشر في كثير من بلاد العالم بالسيرة الحسنة والقدوة الصالحة والخلق الأكمل. لا بد من نشر سيرته لمن يجهلها وإبراز دعوته في شتى المجالات وبمختلف الوسائل، بالدليل والحجة والبيان والتبيان، والمناظرة والحوار، بالحكمة والموعظة الحسنة، لا بد من نشر سنته وسيرته بين العالمين وبشتى اللغات، لا بد من كلمة للإعلام فهو سلاح العصر، وإذا لم يتحرك الإعلام (المقروء، والمرئي، والمسموع) الآن فمتى يتحرك؟ لا بد من إنشاء القنوات الفضائية وبثها باللغات الرئيسية من خلال التعريف بسيرة نبي الرحمة - صلى الله عليه وسلم - كذلك الشبكة العنكبوتية لها الأثر الكبير في تصحيح المغالطات وتوضيح المفاهيم وبيان سماحة الإسلام وبيان مكانة نبي الرحمة وعظم منزلته من خلال إنشاء المواقع التي تعرِّف بسيرته وأخلاقه، ومنهجه وشمائله، والذب عن عِرض النبي - صلى الله عليه وسلم - والدفاع عن سنته. لا بد من البحث والتعرف على قوانين الدول ولوائح القضاء فيها لرفع الدعاوى باسم الأفراد والهيئات والمنظمات الإسلامية ضد من تطاول أو تعرض لمقام رسولنا صلى الله عليه وسلم. وختاماً، بشرى لمن امتلأت قلوبهم غيظاً مما حدث في حق نبينا، وبشرى لمن ضاقت صدورهم مما تعرض له حبيبنا - صلى الله عليه وسلم - يقول الله تعالى إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَر َ{1} فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ {2} إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَر . أين الذين كانوا يقولون عن محمد - صلى الله عليه وسلم - قولتهم اللئيمة، وينالون بها من قلوب الناس، ويحسبون حينئذ أنهم قد قضوا على محمد - صلى الله عليه وسلم - وقطعوا عليه الطريق؟ أين هم؟ وأين ذكرهم؟ وأين أثرهم؟ إلى جوار ذكره وإلى ما أُعِدّ له من مكانة وتمكين إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّه وَالْفَتْحُ {1} وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّه أَفْوَاجاً {2} فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْه إِنَّه كَانَ تَوَّابا . [email protected]