حتى لا نفقد أبناءنا وبناتنا وتُختطف عقولهم وتُغسل أدمغتهم لابد أن نُدرك حجم الخطر الذي كشف ستره تصريحات حمزة كشغري عبر بوابة تويتر. لن أتطرق إلى محاسبة هذا الشاب فهناك من هو أعلم منّا بما يحكم به شرع الله في حقه. ولكن أجد كلماتي تنطلق متفقة مع أفكار طُرحت من قبل الكاتبة القديرة والأكاديمية المحترفة في طرحها الدكتورة نجاح الظهار في مقالها (بكيتُ حمزة)، وأؤيد ما طرحته بأن هذا الشاب وأمثاله هم ضحية تيار فكري قد اختطفهم وحلَّق بأفكارهم لتبتعد عن هويتهم وشخصيتهم حتى وصلوا إلى ما وصلوا إليه. ناديت ابني -حفظه الله- وهو في المرحلة الثانوية، سألته عن رأيه في هذه القضية، وماذا دار بشأنها في مدرسته مع زملائه ومعلّميه، فأخبرني بأن معلمًا جمعهم بعد صلاة الظهر ليعلن لهم بأن هذا الشاب تطاول على مقام النبوة ولا يمكن أن نغفر له أو نسامح. قلت: يا بني اسمع مني هذه الكلمات واحفظها عني، يا بني: لا حب فوق حب الله وحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقصة سيدنا عمر خالدة في سجلات التاريخ عندما سأل عن حب رسول الله في قلبه، ووصل معه الرسول إلى أنه لا يكتمل الإيمان إلا إذا كان الرسول أحب إلينا من أنفسنا. وعندما نطق سيدنا عمر بما خالج قلبه من حب صادق بأن رسول الله أحب إليه من نفسه قال له الحبيب الآن يا عمر. نبينا يُعلّمنا فضيلة التسامح في قصة كعب بن زهير كما علمنا هذه الفضيلة عندما دخل مكة فاتحًا منتصرًا على من آذاه وطرده، حاورهم حوارًا لا يصدر إلا عن مرب ومعلم ونبي عظيم، قال: ماذا تظنون أني فاعل بكم؟! قالوا: أخ كريم وابن أخ كريم، فرد عليهم بقوله الخالد: (اذهبوا فأنتم الطلقاء). هذا هو نبي الرحمة يُحاور ويُخاطب الوجدان والعقل معًا، ويدخل إلى القلوب فيأسرها ويملكها؛ ويعمرها حبًا وحنانًا وعطفًا. متى نعي دروس السيرة النبوية ونحوّلها من ذكر يتكرر حفظًا وترديدًا إلى تطبيق في سلوكيات حياتنا وتربية أبنائنا، أو نلتزم به في أخلاقنا وتعاملاتنا. شبابنا بحاجة إلى من يحاورهم، يحتويهم، يحببهم في الدين، لا ينفرهم منه. بكل صدق أقول إلى من يهمه أمر الشباب: إنهم بحاجة إلى احتواء وإرضاء لطموحاتهم وتطلعاتهم، أرجو من أهل الحل والعقد أن ينظروا بعين الاهتمام بجيل تخبّط كثيرًا ما بين إفراط وتفريط، ما بين تشدد وتضييع وانحراف عقدي وفكري. إلى من يجتمعون على طاولة الحوار الوطني في اللقاء التاسع للحوار الفكري بحائل أقول باسم الشباب في وطني: نحن بحاجة إلى منابر ثقافية وعلمية وفكرية، وأماكن ترفيه بريئة نعبر من خلالها عن هويتنا وأفكارنا، وهمومنا وطموحاتنا، وآرائنا بحرية دون خوف ولا قيود تمنعنا من السؤال، والوصول إلى الإجابة تحت إشراف ومتابعة من خبراء في التربية وممن يوثق في دينهم وأمانتهم من رجال ونساء الوطن. اسمحوا لي بأن أقول بأن التشدد في منع المباحات قد يؤدي إلى اقتراف المحرمات، لا نريد تضييعًا ولا تمييعًا للدين، نريد فقط إتاحة الفرصة لهم للحياة الآمنة المطمئنة وفق ضوابط نراعي فيها أولًا وأخيرًا مخافة الله في السر والعلن. لا نريد جيلًا يخشى من تسلط وسطوة الكبار في المجتمع عامة والمنزل خاصة، وقوى تراقب، بل نطمح لمن يراعي ويراقب الله، يحب ربه ونبيه ويدافع عن مكتسبات ومنجزات وطنه بحب. لنطلق بوابة الحوار مع شبابنا، ففيهم والله خير كثير، وهم بحاجة لمن يسمعهم ويفتح لهم القلب ويحتويهم لننطلق معًا إلى شاطئ اليقين، حتى لا يحدث ما لا يحمد عقباه في الظلام وخلف الكواليس. إلى من تجاوزوا كل الحدود في التطاول على كل القيم والمبادئ والوحدة الوطنية حتى وصل الأمر إلى التعريض بالأنساب والتنابز بالألقاب؛ حذارِ من أبواب الفتن، فالشيطان لنا بالمرصاد. قلت لابني في خاتمة حديثي يا بني أكثر من الدعاء المأثور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك. وليتذكر كل من ولاه الله أمر التربية والتعليم أننا مسؤولون أمام الله عن عقول وأفكار جيل نتعهده بالرعاية والتعليم.