«اشحن لي وأعرض لك»، «سدد فاتورتي واكشف لك.... الخ من عبارات تجتث المشاعر وتقتلع العقل هي تلك العبارات التي غدت تزحف فوق صفحات الإنترنت لتعلن عن نوع جديد من الدعارة الرخيصة أبطالها فتيات تائهات تجردن من الحياء ورجال ضائعون راكضون وراء المحرمات التي لا تكلف.... فمواقع الدردشة التي يدخلها العديد من الفارغين بحجج متفاوتة أصبحت مرتعاً يختبئ في طياته راكضون خلف الحرام السهل الذي لا يستوجب الانتقال والسفر، لم يعد بالضرورة أن يخرج الساعون خلف الإثم من بيوتهم، كل ما يحتاجون له خلوة ممتقعة بالمعاذير الكاذبة وجهاز تقني عصري يشعل غرائزهم، يا لها من استخدامات فاعلة للخدمات الإلكترونية! تشتكي تلك الفتاة التي تعرض نفسها قلة الحيلة، وتبرر أخرى بيعها لجسدها عبر الإنترنت كونها كبش فداء لتفكك أسري، كلها أعذار لا قيمة لها، صنعتها أوهام من سلكوا تلك الطرق، فالحرام لا يمكن أن يبرره غير ضعف الإيمان وتسلط الشيطان على الإنسان، والتعلق بمعاذير واهية ليس إلا عذر أقبح من ذنب، فهل الشحن لجوال تلك التي تقايض عرض جسدها إلكترونياً سيدفع عنها جوعا؟ أم أن تسديد فواتير تلك التي تسوق نفسها سيحول دون طلاق والديها أو ضرب أبيها لها؟ الحقيقة أن تلك الفتيات الجانحات قد توسمن ذرائعاً وهمية تشتري تعاطفاً جماهيرياً يدفع الإحساس بالخجل عنهن، وتحول دون مغبة الملامة لارتكابهن المحرمات، لكن الغاية لا تبرر الوسيلة، والأعذار مرفوضة حين يكون الثمن استهانة بالأخلاقيات. ما يؤرقني كثيراً ذلك الانسحاب الأسري عن متابعة أبنائهن وبناتهن في عصر تكالبت به تيارات الانحراف، فالفتاة التي تقضي جُل وقتها في استعراض جسدها على الإنترنت لم تجد بالتأكيد متابعاً لتصرفاتها من أهل بيتها، فهي تركت منزوية في غرفتها تحت رحمة الإغراء من جهاز الحاسوب دون حسيب أو رقيب، والرجال المشاركون بالتجاوب مع تلك العروض ليسوا إلا ذئاباً بشرية تفترس نعاجاً تائهة ضلت طريقها، لأنه السقوط نحو الهاوية الذي جلبه علينا التطور في غياب الرقابة الذاتية. والعجيب في الأمر أن بعض الفتيان أيضاً يتقمصون أدواراً نسائية ليروجون لعلاقات إلكترونية يرتجون من ورائها شحن جوال ودفع فواتير وهدايا ثمينة، لا يقض مضجعهم على الإطلاق انحسار الأخلاق والقيم، كل ما يرتأونه من تلك الفوضى هو لحظات استمتاع ماجن يتكسبون من ورائه. والسؤال الذي يطرح نفسه كيف يمكن درء تلك المهازل قبل أن تصبح ظاهرة متفشاة بين أبنائنا وبناتنا؟ الحقيقة أننا في حاجة مترفة لإعادة النظر في دور الأسرة في عالمنا العربي، وأرانا في حاجة قصوى لتعلم التعبير عن الحب وتقديمه بين أفراد الأسرة، نحن في مأزق أخلاقي يستدعي تأهيل كل أسرة ليكون الحوار الهادف والحديث المؤثر بين أفرادها قائما كل حين،، والتواصل الايجابي الفاعل بين أولياء الأمور والأبناء أول القواعد التي ينبغي إدراجها في المنظومة الأسرية لزرع القيم الحسنة، فبديل لتلك التقنيات قد يكون الالتقاء بين تلك الأطراف المتناثرة والمبعثرة في غرف المنزل، واحتواء الأبناء واستيعاب حاجاتهم قبل أن نصل إلى طريق مسدود لا رجوع به. [email protected]