كانت جلسة هادئة ضمّت مجموعة من الأصدقاء الكبار وثلّة من الشباب من مختلف الأعمار وكان صاحبنا خلال الجلسة منشغلا عن الجميع بمتابعة برنامجه التلفزيوني المفضّل، وفجأة علت الأصوات وارتفعت حرارة النقاش في تلك الليلة الشتويّة الباردة وكان مبعث سخونة الحوار تعليقات الحضور على قصة انسحاب أحد الشباب من إتمام إجراءات خطبته من إحدى فتيات قريته لأسباب يعرفها أصدقاؤه. أمّا السبب الرئيس الذي دعا ذلك الشاب إلى التراجع عن خطبة الفتاة المرشحة من قبل والدته على الرغم مما عرف عنها من جديّة وحسن خلق اكتشافه أن الفتاة من "بنات النت"!. لفتت القصّة نظر صاحبنا فسأل راوي القصة عن تفصيل معنى "بنات النت" فأجابه أن صديقهم "اكتشف" أن الخطيبة المرشحة ناشطة انترنتية وتشارك في إدارة موقع حواري ولها حضورها الواضح في منتديات الشعر والقصة. وبعد أخذ ورد بين المتحاورين حول الموضوع وضح أن تعليقات الشاب تؤيد وجهة نظر رفيقهم المنسحب وتبرّر وجاهة قراره برفض الاستمرار في ذلك المشروع لأن "بنات النت" لا يصلحن للزواج على حد رأي معظم أعضاء المجموعة. والسؤال هنا... هل يمكن اعتبار استخدام الانترنت خطيئة تحرم الفتاة من الزواج وتحجب عنها الثقة؟ وهل السبب في هذه النظرة السلبية هو كثرة انغماس بعض الشباب في "دهاليز" الانترنت وشوارعها الخلفية وبالتالي أخذ ذلك كمبرر كاف للحكم على كل الفتيات اللائي يستخدمن الانترنت؟ وهل كل فتاة تستخدم الانترنت هي بالضرورة مثل بعض الضائعات التائهات على كاميرات برنامج "البال تالك" وغيره من برامج الدردشة؟ ثم هل يدرك الشباب أن الانترنت لم تعد وسيلة سريّة للتلصص على كل ممنوع وممارسة كل حرام ديني واجتماعي؟ أليست الانترنت اليوم مادة مدرسية، ووسيلة للتواصل مع الأساتذة والمدرسة، ومكتبة مفتوحة للطلاب والطالبات للبحث والاطلاع؟ من جهة أخرى يبدو أن وضع الفتيات على شبكة الانترنت ليس موضوعا عربيا فقط حيث أجريت دراسات دولية أثبتت أن الفتيات عادة ما يلجأن للانترنت عبر مواقع الخدمات بحثا عن علاقات اجتماعية. وفي دراسة لمركز Pew Internet & American Life Project يتبّن أن الفتيات بين سن 15- 17هن الأكثر نشاطا في مجال البحث عن علاقات اجتماعية عبر الانترنت مقارنة بالشباب. إذ تكشف الدراسة أن 70% من الفتيات يستخدمن ويدونّ معلوماتهن الشخصية بغية التعارف عبر شبكات العلاقات الاجتماعية مقارنة بنسبة 57% من الشباب الذكور. وفي نيوزلندا ذكرت دراسة لمجموعة امن الانترنت Internet Safety Group أن 33.5% من الفتيات طورن علاقات الكترونية بحيث امتدت إلى لقاءات مباشرة خارج الانترنت. قد يبدو بعض القلق مبررا خاصة أن الانترنت العربية فيها ما فيها من علل سوء الاستخدام وتطفح معظم مواقعها بالابتذال والسطحية لكن من الظلم أن نرى الجميع بعين الشك والريبة ولا نعزز الجوانب الايجابية التي بدأت تتشكل ملامحها على الانترنت. ففي الجانب النسائي - على سبيل المثال- ألا يوجد على الشبكة العنكبوتية اليوم عشرات المواقع الناجحة التي تديرها وتحرر معظم محتوياتها بشكل يدعو للإعجاب ويستحق الإشادة سيدات وفتيات عربيات وسعوديات. هل يمكن النظر إلى موقع مثل موقع "بيت حواء" hawahome.com أو موقع "لكِ" www.lakii.com أو موقع "عالم حواء" hawaaworld.com) ) بغير عين الرضا والسرور لهذا التجمع النسوي الالكتروني الذي يقدم المعلومة والخبر والاستشارة للنساء وعموم مستخدمي الانترنت بشكل راق. مسارات قال ومضى: اعلم أن الحقيقة مؤلمة وكذا إبرة الطبيب ولكننا نتقبلها أملا في الشفاء.