يقول الخبر «انتحار وزير المال الياباني شنقاً تاداهيرو ماتسوشيتا والعثور على جثته في طوكيو لعجز في الميزانية 10 آلاف ين فقط»! ياه! كم هم أولئك الذين سينتحرون لو كان لديهم الإحساس بتأنيب الضمير، واشتغل في دواخلهم الشعور باقتراف الإثم، وناحوا وصاحوا بدون صوت إلا عذابات الخجل من الأمة ومن الناس جميعا ومن التاريخ حين ينكشف الوجه المزيف بطلاء الكذب وتضييع الأمانة؟! ينتحر تادا هيرو الرجل الشريف لا لأنه انكشف أمام الأمة اليابانية كلص أو سارق أو مختلس، فلم يتأكد هذا الظن أبداً، ولا لأنه استفاد من منصبه مسؤولا عن المال في مصالح شخصية، ولا لأنه زور شيكا، أو سدح صكا، أو تلاعب بتحويل بنود، أو ترك خانة في أبواب الصرف مجهولة لا جواب عليها ! لا، لم يرتكب واحدة من تلك الأوزار، ولا عشر أصغرها ذنبا وأقلها إثما؛ بل وجد هذا الناسك الياباني الشريف نقصا في حساباته لا يعلم أين ذهب ولا عرف كيف تسرب؛ مبلغ زهيد جدا لا يمكن أن يتسبب أبدا في قلق لحظة بَلهَ أن يتسبب في فقد حياة إنسان انتحارا، 10000 ين ياباني أي 477 ريالاً سعودياً لا غير يقدم بسببها تادا هيرو على الانتحار! لِم يغيّب هذا الشريف نفسه على هذا النحو عن الأمة اليابانية؟ لِم يشعر بالعار بسبب مبلغ زهيد كهذا؟ لِم لا يستطيع مواجهة الجماهير بجواب مقنع على سؤال قد يوجه إليه: أين ذهب هذا المبلغ من حسابات وحقوق الشعب الياباني يا تادا هيرو؟! ألإنه لم يجد جوابا مقنعاً يستطيع به الرد على أبناء شعبه آثر الغياب على حضور مريب والفقدان على تواجد محفوف بعار إثم الاختلاس وتضييع الأمانة؟! كم هم هؤلاء الذين يجب عليهم أن ينتحروا من دواخلهم ألف مرة، مليون مرة، مليار مرة بحجم المفقود والضائع من حقوق الناس وأموال الوطن؟! كم هؤلاء الذين يجب أن يخفوا وجوههم عن الناس ويغيبوها في دهاليز النسيان والعدم لو كانت ذرة من شعور بشرف الأمانة وذرة من الإحساس بالمسؤولية أمام الله وأمام الخلق وأمام التاريخ تتحرك في دواخلهم؟! كم سيقف في طابور المغادرين تكفيرا عن خطيئة المفقود وغير المعلوم وما لا تفسير لصرفه ولا تعليل لكيف جاء أو كيف ذهب وممن جاء ولمن ذهب؟! كم في ذمم لا تشبه ذمة تادا هيرو من مفقود لا ترجى عودته؟ ومن غير معلوم لا يمكن أن يفسر؟ ومن أصفار قبلها أرقام يبتلعها ضمير ميت لا يشبه ضمير تادا هيرو الحي؟! هناك في ديار بني الأصفر الفطسان من شيعة تادا هيرو ينتحر الأغنياء بفضيلة النزاهة والصدق حين تلاحقهم تساؤلات مريبة وهي بين الشك واليقين! ينتحر الصادقون اللاهثون الباحثون عن حياة كريمة، وفي مكان آخر لا يأبه من تلوث بخطايا التدليس والاختلاس والكسب غير المشروع بتأنيب ضمير ولا إحساس بالفضيحة ولا خوف من الله ولا حياء من الناس؛ فلا يخبئون وجوههم عن الأسئلة الشاكة، ولا يرتعدون وهم يمثلون أدوار الصدق، ولا تنتفض الكلمات على ألسنتهم وهم يمتشقون البراءة! لو كان الانتحار مشروعا، ولو كان عقابا مباحا للتكفير عن الخطايا في حقوق الناس لانتظمت طوابير ممن تيقظ الإحساس في دواخلهم بضرورة التكفير عن آثامهم، تماما كما تيقظ عند نفر عذبتهم ضمائرهم فأرجعوا أموالاً اختلسوها ليست لهم إلى حساب إبراء الذمة، وهي بالملايين وليست 477 ريالا فقط، فلو استيقظ الضمير عند كثيرين ما زالوا يغطون في نوم عميق كم سنفاجأ كل يوم بتادا هيرو بيننا وقد تدلدل جسده؟! وقبل أن تأتينا إجابة جاهزة عن سر تقدم اليابان وتأخرنا نحن العرب، لا جواب لدي أنا الفقير إلى الله إلا قصة تادا هيرو الذي يعادل بشرفه ملايين العربان الذين يرتقون كلما انحدرت فضائلهم، وتطول أعمارهم كلما صغرت ضمائرهم!. [email protected] mALowein@