منذ أن رفض الرئيس السوري بشار الأسد عرض الجامعة العربية بالتنحي وضمان الخروج الآمن له، أصبحت المشكلة هي أن هذا الرجل سينتهي مقتولاً كما حدث مع الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي. عندما ينجح مقاتلو الجيش السوري الحر في نهاية المطاف في اختراق جدران معقله الأخير ويقبضون عليه سينتهي الأمر بذبحه مثل الكلب. ولن يكون ما سيحدث للديكتاتور السوري مشكلة في كل الأحوال. المشكلة الحقيقية الأولى التي ستواجه العالم بعد اختفاء بشار الأسد ستكون المليشيات المسلحة لطائفة العلويين والمسيحيين والنخبة السنية الموالية للأسد. فهذه المليشيات قتلت آلاف السوريين الأبرياء ومارست الأعمال الوحشية باسم الرئيس الأسد ولذلك فهي تخشى التعرض لمذابح مروّعة على أيدي الأغلبية المنتصرة. لذلك ستتمسك هذه المليشيات بمواقفها وتخوض القتال حتى اللحظة الأخيرة وهو ما يعني أن سوريا ستدخل نفق حرب أهلية دامية وطويلة. المشكلة الثانية هي مصير مخزون الأسلحة الكيماوية السورية التي هدد الأسد باستخدامها ضد أي تدخل أجنبي. ومع انهيار سلطته على البلاد فإن هذا المخزون قد يقع في أيدي تنظيم القاعدة وغيره من التنظيمات الجهادية النشطة في سوريا حالياً. التقارير تقول إن هذه التنظيمات تعمل في سوريا إلى جانب مقاتلي الجيش السوري الحر. إذا سقطت الأسلحة الكيماوية في أيدي هذه الجماعات فإن البشر، وإن لم يكن بالضرورة السوريين، سيصبحون مهددين بخطر حقيقي. ربما تكون أكبر المشكلات في سوريا بعد الأسد هي غياب سلطة وطنية ذات مصداقية قادرة على السيطرة على الحكم المتداعي في دمشق. ما تحتاج إليه سوريا الآن هو نسخة من الزعيم الليبي محمود جبريل الذي تولى السلطة بعد سقوط القذافي. والحقيقة أن جبريل لم يكن سياسياً عفوياً ظهر بالصدفة ولكنه رجل حكيم مؤهل لتولي المهمة. كما أن قلب هذا الرجل كان في المكان الصحيح. ففي ذروة التمرد الليبي أصدر أوامره الصارمة للثوار بالابتعاد عن الأعمال الوحشية ومعاملة السجناء من عناصر نظام القذافي بطريقة آدمية. والآن يلعب جبريل دور موحّد ليبيا ومن المحتمل أن يكون أول رئيس منتخب للبلاد. غياب مثل هذا القائد يهدّد بتدهور الموقف بصورة أكبر في سوريا بعد سقوط الأسد. ولكن هل الموقف في سوريا ميئوس منه تماماً؟ هناك بصيص أمل إذا توفرت الإرداة السياسية لدى القوى العالمية المؤثرة على المشهد السوري وهي الأعضاء الخمس الدائمين في مجلس الأمن الدولي وجامعة الدول العربية وإيران من أجل إيجاد حل لسوريا يحافظ على وحدتها وإجبار كل الأطراف على وقف القتال. في هذه الحالة يمكن توفير ملاذات آمنة لكل المدنيين وإطلاق حوار شامل بين الأغلبية السنية والأقليات الأخرى الموجودة في البلاد. بالطبع يجب إبعاد تنظيم القاعدة وغيره من المليشيات الأجنبية التي دخلت سوريا بعيداً عن أي تسويات والعمل على القضاء عليها. ويجب أن يسفر الحوار عن اتفاق سلام يعيد بناء الجيش السوري ويفكك المليشيات المسلحة ويتبنى دستوراً يضمن ليس فقط حقوق الأقليات ولكن أيضاً مشاركتها على أساس المساواة في الحياة الوطنية للبلاد وكذلك إجراء انتخابات عامة تحت إشراف الأممالمتحدة. كما يجب أن تلتزم القوى الأجنبية والمنظمات الدولية بالمساهمة في إعادة بناء سوريا. هل هذا حلم يقظة؟ بالطبع لا. فالتاريخ يقول لنا إن مثل هذا السيناريو ممكن. فعملية سياسية من هذا النوع أنهت صراعاً استمر عشرات السنين في كمبوديا. فقد بدأت هذه العملية باجتماعات غير رسمية في جاكرتا عام 1988. وفي هذه الاجتماعات بالكاد تحدثت الفصائل المتصارعة مع بعضها البعض. ولكن في أكتوبر 1991 ترأست إندونيسيا وفرنسا اجتماعاً بمشاركة 18 دولة للتوقيع على اتفاقيات أسفرت عن ميلاد كمبوديا الحديثة. وتم تتويج هذه العملية بانتخابات عامة تحت إشراف الأممالمتحدة في مايو عام 1993 . بالطبع سوريا ليست كمبوديا ولكن هناك أوجه شبه مهمة تحض على تعزيز التعاون الدولي لحل المعضلة السورية. ففي ضوء خبرات إندونيسيا في هذه القضايا يمكنها المساهمة في معالجة الأزمة السورية من خلال منظمة التعاون الإسلامي وحركة عدم الانحياز وسوريا عضو فيهما. لكن ماذا عن مصير الأسد؟ بمرور الوقت ومع دخول هذه العملية حيز التطبيق سيكون الأسد قد قتل وتم دفنه في مقبرة سرية أو انتهى به المطاف في إحدى زنانزين محكمة الجنايات الدولية. شاعر إندونيسي وكاتب مسرحي - (جاكرتا جلوب) الإندونيسية