تعيش سوريا حاليا لحظات صاخبة. فالحرب الأهلية تغرق البلاد والقتال الضاري يشتعل في العاصمة دمشق. والجامعة العربية دعت الرئيس السوري بشار الأسد إلى التنحي عن السلطة. ولكن المجتمع الدولي يتابع المشهد ويتصرف بالحركة البطيئة في ظل وقوع مجلس الأمن الدولي رهينة للفيتو الروسي الصيني المؤيد لنظام الحكم السوري. سوريا في مفترق طرق وهي تتجه بقوة نحو الهاوية . وخلال الشهور ال 17 الماضية أودى العنف الذي فجرته ثورات الربيع العربي بحياة أكثر من 20 ألف سوري أغلبهم من المدنيين. ووفقا لتقديرات الأممالمتحدة فإن أكثر من مليون سوري تشردوا بسبب القتال داخل سوريا إلى جانب أكثر من 42 ألف لاجئ سوري ذهبوا إلى تركيا و35 ألفا إلى الأردن و32 ألف إلى لبنان. نظام الحكم السوري المعتمد على الأقلية العلوية القريبة من شيعة إيران والتي تقف على النقيض من الأغلبية السنية في سوريا يخوض معركته الآن ضد الشعب بضراوة النمر الجريح. وقد تعثر صدور قرارات قوية من مجلس الأمن الدولي لمعاقبة نظام بشار الأسد ثلاث مرات بسبب استخدام كل من الصين وروسيا حق النقض (الفيتو) ضد أي قرار يفرض عقوبات على نظام الأسد. المرة الأولى كانت في أكتوبر الماضي ثم في فبراير الماضي وأخيرا في يوليو الماضي. في المرات الثلاث اصطدمت الدبلوماسية الأمريكية والبريطانية المتفائلة بالسياسة التي تتبناها روسيا والصين اللتان تريدان منح الأسد غطاء دبلوماسي لمواصلة عمليات القتل رغم خسائرهما السياسية المتزايدة في أغلب دول العالم العربي. ومع علمه بالعناد السياسي لكل من موسكووبكين ضد أي تحرك جاد من جانب مجلس الأمن الدولي سافر الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان إلى موسكو لمقابلة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. حاول عنان إحياء خطته المحتضرة لتحقيق السلام في سوريا في الوقت نفسه حاول تشجيع روسيا على التحلي بالمرونة ودعم المجتمع الدولي في سوريا. ولكن إجابة بوتين على مهمة الرجل كانت بالرفض. في الوقت نفسه زار الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بكين لإقناع قادة جمهورية الصين الشعبية بتخفيف موقفهم الداعم لنظام الحكم السوري. بعد الفيتو المزدوج في مجلس الأمن قبل أسابيع قال السفير البريطاني لدى الأممالمتحدة السير مارك ليال جران إنه أصيب بالفزع من قرار روسيا والصين استخدام حق الفيتو ضد هذا القرار الذي يهدف إلى إنهاء الصراع الدامي في سوريا. وقالت المندوبة الأمريكية سوزان رايس إنه يوم أسود، لكن هذا لا ينفي حقيقة أن إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما تتعامل مع الأممالمتحدة بأسلوب الهواة غير المحترفين. ورغم العقبة الكبيرة التي فرضها الموقف الروسي والصيني أمام الجهود الدبلوماسية للتعامل مع الأزمة السورية حاولت وزارة الخارجية الأمريكية التخفيف من حدة الموقف فقالت إن تصويت روسيا والصين عار على البلدين إذا كان بوتين وهو جينتاو (الرئيس الصيني) معنيين بسمعة بلديهما؟ وكما قال ريتشارد هاس الدبلوماسي الأمريكي السابق ورئيس مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي في نيويورك فإنه على الولاياتالمتحدة والحكومات المتفقة معها في الرأي عدم اعتبار الأممالمتحدة مصدر الشرعية الوحيد ولا المظلة الوحيدة للتحركات الدولية الجماعية. لكن لماذا تصر الصين وروسيا على دعم النظام السوري رغم المعارضة المتزايدة له في العالم العربي؟ منذ الستينيات وسوريا حليف قوي للاتحاد السوفيتي السابق ثم لروسيا بعد ذلك. وترى روسيا أن سوريا حائط صد إقليمي لها في مواجهة انتشار النزعة الإنفصالية والطائفية في المنطقة وفي الاتحاد الروسي نفسه. الأمر نفسه ينطبق على الصين أيضا التي تحاول قطع الطريق على النزاعات العرقية والدينية داخل الجمهورية الصينية.بالطبع هناك العامل الإيراني. رغم أن سوريا تحت حكم الأسد دولة علمانية فإن الأقلية العلوية الحاكمة قريبة مذهبيا من إيران الشيعية. ومازالت سوريا الحليف الحقيقي الوحيد لإيران في العالم العربي ولذلك فإن انهيار نظام الأسد يمثل خسارة جسيمة لطهران. ويشدد السيناتور الأمريكي الجمهوري ماركو روبيو دائما على أن الإطاحة بالأسد تمثل خسارة استراتيجية كبرى لحكام طهران. من منظور الجغرافبا السياسية فإن خسارة روسيا لسوريا يشبه خسارة أمريكا لنظام حكم مبارك في مصر وخسارة فرنسا لنظام حكم زين العابدين بن علي في تونس. ومن سوء الطالع أنه مع اقتراب اللعبة في سوريا من نهايتها تذكرنا أن دمشق لديها مخزون كبير من الأسلحة الكيماوية والبيولوجية، فإذا فكر بشار الأسد في استخدامها سيصبح التدخل العسكري شبه مؤكد. كما أن البلاد يمكن أن تشهد موجة من العنف الطائفي. سوريا دولة معقدة بها العديد من الأديان والمذاهب والأعراق منهم مليوني مسيحي. وفي ضوء العنف الذي تعرض له المسيحيون في مصر بعد سقوط مبارك يصبح من حق المسيحيين السوريين الشعور بالقلق من المستقبل. وأخيرا فإن شكل النتيجة النهائية للوضع المعقد الحالي في سوريا يتوقف بصورة كبيرة على الجيش السوري الحر والمعارضة السورية المشرذمة. وليست مسئولية أمريكا فتح «صندوق الشرور» السياسية في دمشق. * (كوريا تايمز) الكورية الجنوبية