نجح الدكتور وليد سيف في كتابة القصة والسيناريو والحوار لعدد من المسلسلات التاريخية، وبخاصة في الروائع الثلاث عن تاريخ الأندلس (صقر قريش، ربيع قرطبة، ملوك الطوائف) التي جاءت في ثلاثة مسلسلات أخرجها المبدع حاتم علي.. وظهرت جميعها على درجة عالية من الإتقان وكانت من أجمل المسلسلات الرمضانية في السنوات الأخيرة، غير أنه في مسلسل هذا العام ربما أراد هو والمخرج حاتم علي وفريق العمل الذين يتعاونون لإنجاز المسلسلات الرمضانية افتعال دعاية تكون بمثابة (ضجة) كبرى تشدّ القاصي والداني لمتابعة ما سيقدمونه في رمضان هذا العام، فاتفقوا على تسمية المسلسل باسم (عمر بن الخطاب - رضي الله عنه) وجعلوا من شخصية عمر دوراً يقوم به أحد الممثلين! ولم يبقَ أحدٌ من الشعوب العربية إلاّ وسمع بالاعتراضات والاستنكارات التي أطلقت قبل عرض المسلسل لأنه سيجسد شخصية الفاروق، وهذا ما يرفضه عددٌ هائلٌ من طلبة العلم أو المحتسبين، كما يسمون أنفسهم، فاجتهدوا في تهييج الناس للمطالبة بإيقاف عرض المسلسل، وتداول الناس عبر وسائل الاتصال تسجيلاً لشيخ يبكي وهو يصرخ: (إنهم يريدون التمثيل بشخصية عمر)! لا حول ولا قوة إلا بالله، فقد تشنج الرجل حتى لم يعد يعرف الفرق بين تمثيل الشخصية والتمثيل بشخصية(!) وكان فريق عمل المسلسل يردّ بأن عدداً من كبار العلماء والمشايخ قد راجعوا العمل ولم يكن لهم أي اعتراض على أيّ شيء! كل هذا ممتاز ومثير، وقد حفز الناس على ترقب المسلسل ومتابعته، وقد تابعتُ منه حتى الآن - أي حتى وقت كتابة هذه المقالة - عَشَر حلقات، لاحظتُ خلالها أن المسلسل لا يختلف في شيء عن غيره من المسلسلات التي تستذكر بداية ظهور الإسلام ونشره في مكة، ثم الهجرة النبوية، بكل ما في ذلك من تفاصيل تم عرضها في عشرات المسلسلات التاريخية، ولم يكن ثمة تركيز على شخصية (عمر) تحديداً، ولم يأت بجديد لا نعرفه أو لم تقدمه المسلسلات الدينية التاريخية القديمة، منذ (محمد رسول الله والذين معه) الذي كتب قصته الأديب الراحل عبدالحميد جودة السحار، وحتى مسلسل (عمرو بن العاص) الذي كتبه المؤلف سامي غنيم، بل إن مسلسل عمرو بن العاص (رجل الأقدار) كان يركز على شخصية ابن العاص ويستنطق فيها ما لم يستنطقه عملٌ دراميّ آخر، على رغم الإمكانات المادية المحدودة جداً التي أظهرت نور الشريف القائم بدور عمرو بن العاص والممثلين الذين معه بثياب هي نفسها التي نلبسها للنوم في وقتنا الحاضر! أعود إلى المسلسل الذي أصبح بفعل الدعاية العبقرية له ظاهرة وحديثاً للمجالس (مسلسل عمر) وأقول: على رغم ما قيل عن التكلفة المادية الهائلة التي جعلت من المسلسل أضخم إنتاج درامي في تاريخ المسلسلات التلفزيونية - كما تقول القناة المنتجة للعمل - فإنه مجرد عمل يكرر عرض الأحداث التي رأيناها في عشرات المسلسلات غيره، على سبيل المثال قصة إسلام بلال بن رباح رضي الله عنه والتعذيب الذي طاله على يد أمية ابن خلف، فتلك المشاهد يحفظها الناس بدقة، ومع ذلك توقف المسلسل عندها لأكثر من حلقة، حتى حسبتُ في بعض المشاهد أنها منسوخة نسخاً من مسلسلات سابقة! العمل عندما يكون اسمه (عمر) فيجب أن يكون بمثابة سيرة وترجمة لعمر، نفهم من خلاله شخصية عمر، وكان على المؤلف، لو كان جاداً في الكتابة عن عمر، أن يعود إلى كتاب المفكر الراحل عباس محمود العقاد (عبقرية عمر) ويرى كيف تناول العقاد شخصية عمر بن الخطاب تناولاً مرتباً متسلسلاً يعرض مواقفه من كل الأحداث دون أن يكرر عرض الأحداث التي يعرفها الناس، فالأحداث نفسها، ولو كان لا بد من عرضها بالتفصيل نفسه فسيتطلب ذلك مجلدات ضخمة لسيرة كل صحابي(!) والعقاد كتب عبقرية عمر، وعبقرية عثمان، وعبقرية عليّ، وكتب عبقرية محمد عليه السلام، دون أن يكرر الوقوف عند الأحداث إلاّ بالوصف السريع لها من زاوية الشخصية المحورية فقط، فهل كان صعباً على وليد سيف أن يتخذ هذا المنهج في كتابة مسلسل عمر؟ أم أن المسلسل بالأساس كان مكتوباً عن الأحداث بعامة التي كانت حول البعثة المحمدية ثم الخلافة الراشدة، وحين انتهى المؤلف من كتابتها - أو نقلها من المصادر والمراجع المتداولة - أراد هو وفريق عمل المسلسل أن يضيفوا إليها ما يثير المجتمع المسلم بكل أطيافه وطبقاته ويجعل من المسلسل ظاهرة وحديثاً للمجتمعات العربية كلها، فلم يجدوا أفضل من أن يسمّوا المسلسل باسم (عمر) ويجعلوا أحد الممثلين يقوم بأداء شخصية عمر، وآخر يمثل دور أبي بكر، وآخر لدور عثمان، وآخر يمثل دور عليّ بن أبي طالب - رضوان الله عليهم جميعاً - وهذا هو كلّ شيء؟! إن كانت الفكرة كذلك فقد نجحوا في الدعاية والترويج للمسلسل نجاحاً عبقرياً، أمّا المسلسل نفسه فهو لا يختلف في شيء، من حيث القصة والسيناريو والحوار، عن المسلسلات الدينية التاريخية التي سبقته.. (هامش لمقالة سابقة): في مقالتي المنشورة هنا الخميس الماضي (الثقافة يا وزارة الثقافة) فوجئتُ بأخطاء مطبعية لم تكن موجودة في نصّ المقالة الأساس، مثل (من ورائه) جاءت (من وراءه) وغيرها؛ فلا يسعني الآن سوى التنويه والاعتذار عن الأخطاء التي لا يد لي فيها. [email protected]