التعنت الذي تمارسه روسيا في مسألة حل الأزمة السورية يرتبط بحسابات وسياسات روسية لها علاقة مباشرة في النهج الذي تسير عليه قيادة بوتين لإعادة الاعتبار إلى روسيا كدولة مشاركة في الثنائية القطبية الدولية، إذ يعمل بوتين وهو ما حاول تحقيقه في الفترتين السابقتين الرئاسيتين لروسيا، على إعادة روسيا إلى المكانة التي يعتقدها وهو وراثة مكانة الاتحاد السوفياتي، وإذا كان الاتحاد السوفياتي قد تفكك نتيجة التدهور الاقتصادي ونجاح الإستراتيجية الأمريكية في تفكيك المنظومة الاشتراكية والسوفيتية من خلال نشر وتشجيع الديمقراطية فإن روسيا مستفيدة من ارتفاع أسعار البترول تعيش «ثراء اقتصادياً» كما أن الأعباء التي كان ينوء بها الاتحاد السوفياتي لا وجود لها في العهد الروسي، وهذا ما جعل بوتين ينفذ عدداً من الإجراءات الاقتصادية التي حسنت من الحياة المعيشية للمواطن الروسي وقد كسب بوتين شعبية كبيرة خاصة في الفترة الأولى من رئاسته مستفيداً من الوفرة المالية التي حققتها زيادات أسعار البترول، ورغم ظهور ونمو تشكيلات مافيوية نمت كطفيليات في المجتمع الروسي والتي ترعرعت في عهد يلتسن وصلت بعضها إلى دوائر السلطة إلا أن بوتين وبعد تدفق أموال النفط، اعتمد نهج مزاحمة واشنطن لاستعادة المركز الذي كان عليه الاتحاد السوفياتي وبما أن مشاركة الأمريكيين قطبي القرار والريادة الدولية تتطلب مالاً وقوة ونفوذاً سياسياً، فقد وظف بوتين هذه العناصر الثلاثة لتحقيق الطموح الذي بدده يلتسن، وكانت أولى العمل بهذا النهج استعمال الغاز المصدر إلى أوروبا لانتزاع مواقف سياسية موالية والحد من مواقف سياسية معادية كالتهديد بوقف تصدير الغاز عبر أوكرانيا ما لم تمتنع الدول الأوروبية المجاورة عن استضافة «الدروع الأمريكية المضادة» والتي يرى فيها الروس تهديداً لأمنهم القومي. بعدها بدأ بوتين وعبر وزير خارجيته لافروف مشاركة أمريكا والغرب للتأكيد على أن روسيا لاعب أساسي ومشارك في صنع القرار الدولي، وإذ شعر الروس بالخيبة وبالفشل بعد فرض الإرادة الغربية موقفها في ليبيا، وأنهم قد تعرضوا للخديعة ليطردهم الغرب من ليبيا التي كانت جزءاً من فضائهم السياسي في حوض البحر الأبيض المتوسط، وإذا ما اندلعت الأزمة السورية فإن الروس لا يريدون أن يكونوا خارج اللعبة وأنهم لا يريدون أن يفقدوا ما تبقى من الفضاء السياسي في البحر الأبيض المتوسط؛ ولذلك فإنهم يتخذون مواقف يعتبرونها ليس فقط دفاعاً عن مصالحهم الإستراتيجية بل تأكيداً على مشاركتهم للقطبية الدولية، ولهذا نجد في المواقف الروسية مزايدة وتحدياً سياسياً لم يقتصر على استخدام «الفيتو» ثلاث مرات، بل أيضاً في محاولة صياغة محور لمواجهة الغرب كتحالفه مع إيران والاستفادة من تباين المواقف الصينية مع الغرب، ولقد ساعدت الأزمة السورية روسيا كثيراً في تأكيد نهج بوتين بالعودة إلى الريادة الدولية بمشاركة واشنطن ولتدعيم هذا النهج أخذ المحللون يرصدون سعي وعمل روسياً للعودة للحرب الباردة التي يعتقدون بأنها ستكون الوسيلة الناجعة لمشاركة واشنطن السيطرة والهيمنة الدولية. [email protected]