تعتبر مشكلة الإسكان مشكلة تقليدية ومعتادة في كافة الدول .. ولا تكاد دولة تنجو منها بالشكل الكامل .. وتزداد حدة هذه المشكلة في الدول التي تعاني من ارتفاع معدلات نمو السكان فيها .. وترتفع كثافة هذه المشكلة عندما يزداد معدل كثافة السكان على الكيلو متر المربع .. كما ترتفع حدة هذه المشكلة بالدول التي تمتلك مدناً كبرى عن تلك التي لا تمتلك مدناً مزدحمة .. أما العنصر الأكثر فاعلية في إيجاد أو التخفيف من حدة المشكلة، فهو امتلاك الموارد المالية الكافية لبناء وتشييد المدن والتجمعات الجديدة، وامتلاك المساحات البيضاء لإقامة هذه التجمعات. ويعد الوضع السكاني بالمملكة خلال 2012م مختلفا عنه تماما في الثمانينات والتسعينات .. فقد استمر الوضع السكاني والإسكاني بالمملكة بشكل جيد ومقبول حتى فترة قريبة .. ثم بدأت تظهر تركزات السكان في بعض المدن الكبرى، مثل الرياضوجدة والدمام .. هنا بدأت تظهر ملامح أزمة حقيقية للإسكان تتطلب بعض التخطيط .. حتى وصل الأمر إلى إنشاء وزارة جديدة عرفت بوزارة الإسكان. وتشير دراسة حديثة إلى أن عدد سكان المملكة ارتفع من 9.8 مليون نسمة في عام 1981م إلى 27.1 مليون نسمة في عام 2010م، أي نما بمعدل 177.3% خلال ثلاثين عاما، وبمتوسط يقدر بنحو 5.9% سنويا.. وقد ارتفع معدل النمو السنوي للسكان بشكل دراماتيكي خلال العقد الأخير. أيضا فإن النسبة الكبرى من السكان يقعون في الفئة العمرية (15-40) بنسبة 45%، وغالبيتهم مؤهلون للزواج .. والوضع المستقبلي هو الوضع الذي يوجب الاهتمام أكثر بالإسكان، لأن التوقعات تشير إلى أنه خلال العقد المقبل من المتوقع أن يزداد عدد سكان المملكة بأعلى من 1.5 مليون نسمة سنويا. أما مصدر التفكير المتزايد في الإسكان بالمملكة، فهو أن نحو 65% من سكان المملكة يتركزون في مناطق ومدن بعينها، الرياض ومكة والدمام والخبر، وذلك لأنها تعتبر مدن التركز التجاري والسياحي والاستثماري بالمملكة. أما عن دلائل القلق، فإنها تجيء من توزيع المساكن بالمملكة، حيث ارتفعت نسبة الذين يقيمون في وحدات سكنية مستأجرة إلى نسبة أعلى من المعدلات المعتادة بالمملكة دوما، حتى وصلت إلى أعلى من 40%. وتشير مؤشرات الطلب في العديد من الدراسات السابقة إلى أن المملكة ستكون بحاجة إلى ما يزيد عن المليون وحدة سكنية على أقل تقدير خلال العامين المقبلين. لكل ذلك، جاءت وزارة الوليدة لتوفير الإسكان المناسب ولتوفير ما يناهز نصف مليون وحدة سكنية جديدة بشكل مبدئي .. إلا إن الأمر ليس بهذه السهولة وتوجد العديد من المعضلات التي تتطلب توفيقا وحلولا ذكية لتنفيذ المستهدف بالشكل المرضي لطالبي هذه الوحدات .. ومن أبرز هذه المعضلات ما يلي: طبيعة وتفسير معنى الإسكان المحدود أو الشعبي وحدود توجهات الوزارة الجديدة إليه، وكيفية تقديمه للمواطنين بشكل مقبول .. فالبيئة السعودية ظلت لفترة طويلة غير معتادة أساسا على الإسكان في وحدات سكنية أيا كان شكلها، فما بالنا بالتجمعات أو العمائر السكنية التي توصف بالإسكان المحدود أو الشعبي، بالطبع البيئة تحتاج لبعض الوضع حتى تعتادها، وتحتاج إلى تقديم نماذج سكنية غير تقليدية بحيث تنال قبول المواطنين. أيضا في كافة دول العالم، فإن تصميم وحدات وأحياء إسكان الدخل المحدود، ذو طبيعة خاصة ربما يراها البعض أنها لا تتوافق بشكل كامل مع طبيعة ومعطيات المجتمعات المحافظة مثل المجتمع السعودي، وهي أيضا أمرا يستحق الكثير من الجهد .. والشاهد أنه قد يسهل تقديم تصميمات تتوافق مع البيئة المحافظة ولكن هذه التصميمات بالطبع ستضيف الكثير إلى تكلفة إنشاء هذه الوحدات بشكل يجعل أسعارها تخرج عن نطاق الإسكان المحدود. كذلك توجد قيود على عنصر مساحات هذه الشقق، فالمعتاد بالبيئة السعودية هو قبول الوحدات كبيرة المساحة، وهو ما يتعارض أيضا مع الإسكان المحدود المعروف بتقييد مساحاته في حدود معينة. تشير التقديرات المبدئية إلى أن الوحدة المكونة من عدد ثلاث أو أربع غرف سيتراوح سعرها في حدود 500 ألف ريال، والبعض يرى أن هذه القيمة لا تزال مرتفعة كثيرا عن تسهيل تملك الكثيرون لها. أيضا من المعضلات التي تواجه الوزارة الجديدة هي آليات ومعايير توزيع الوحدات الجديدة في ضوء ارتفاع معدلات الطلب .. وإذا أضيف إلى هؤلاء الطالبين كل حائزي الوحدات السكنية المستأجرة بالطبع فإن الطلب سيصبح أعلى من المتوقع. أيضا ستواجه الوزارة الجديدة مشكلات كبرى مع بعض الفئات والشرائح بالمجتمع لتمكينهم من امتلاك وحدات سكنية، مثل أصحاب الاحتياجات الخاصة والمطلقات، والأرامل، بل أن هؤلاء في حاجة للحصول على وحداتهم ربما بلا مقابل بشكل كامل، لأن أي تسهيلات ربما تكون غير ممكنة لهم. أما من أكثر المعضلات، فهو اختيار أماكن التجمعات السكنية الجديدة ومدى قبول المواطنين لهذه الأماكن، فاختيار تجمعات مغلقة وبعيدة عن المدن وإطلاق اسم إسكان أو عمائر سكنية سواء شعبي أو محدود عليها قد يتسبب في حالة من اللا قبول لها، وخاصة إذا ما تم اختيار أماكنها بعيدة عن المدن. إن وزارة الإسكان تواجه معضلات قاسية في كثير منها، وخاصة في سعيها لإقرار فلسفة ونظم إسكانية غير معتادة بالمجتمع المحلي صاحب النمط المحافظ والفريد في إسكانه .. وفي اعتقادي أن الأمر لا يتعلق بالبناء والتشييد فقط، ولكن يرتبط في جزء كبير منه في التهيئة النفسية والمجتمعية للمواطنين للقبول والتكيف مع أوضاع ومواصفات إسكانية جديدة، والسعي لإبراز مزاياها ودحض أفكار رفضها لدى العموم.