** كان عام 1995م عامًا مفصليًّا في حركة التحرير الثقافي؛ فكأنه استقلّ بجانبه، أو كأنه خلص من مترصديه، ولعلها بذرته الأولى التي نمت وأينعت وتوجت بصدور هذه المجلة الثقافية التي نأمل أن نحتفل قريبًا بعامها العاشر (صدر عددها الأول في 03/03/2003م -ولم يكن لهذا الرقم المميّز دلالةُ في حينه، لكنه يسّر على الذاكرة النسيّةِ استعادةَ الرقم-). ** شهد ذلك العامُ تغيّرًا في قيادة التحريربخروجٍ مؤقت للأستاذ محمد بن ناصر ابن عباس ثم عودةٍ له ثم مغادرةٍ أخيرة، وتولي الأستاذ محمد الوعيل المسؤولية، وخلال الانقطاع والعودة القصيرةِ استطعنا استيعابَ أصواتٍ مهمةٍ في فضائنا الثقافي، وتولى صاحبكم - بتكليفٍ رسميّ- من أبي معتصم وأبي نايف - التفاوضَ لاستكتاب عددٍ من المثقفين؛ كان على رأسهم صديقنا المبدع الأستاذ محمد جبر الحربي؛ لا ليسطّر مقالاً أو زاويةً بل ليصبح مستشارًا للتحرير لشؤون الرأي الذي كان الحلقة الأضعف في الجزيرة آنذاك، ومعه جرى التشاورُ والتنسيق لإضافة أسماءٍ ثقافيةٍ فاعلةٍ؛ فكان أن جمعنا ثلةٌ ذات شأنٍ أوحت بالتغيير الحاصلِ في توجه «الجزيرة الجديدة». ** كتب لثقافة الجزيرة كثيرون منهم الأساتذة والدكاترة: محمد العلي وجار الله الحميد وعبد العزيز مشري وخديجة العمري وعلى الدميني وحمد المرزوقي « فصول رواية» وفوزية أبوخالد وسعد البازعي ومعجب الزهراني ومحمد زايد الألمعي ومحمد العيد الخطراوي وحسين العروي وخالد البنيان ونذير العظمة ومحمد علي شمس الدين وشربل داغر ومحمد إبراهيم أبوسنة وسعدي يوسف وسعدية مفرح وعالية شعيب، وغيرهم، ولم تفتر الهمم بعد تعيين أستاذنا «محمد أبا حسين» رئيساً للتحرير؛ فقد دعم الواقع الثقافيَّ الناشئَ، واستجاب لرغبتنا في إصدار ملحقٍ «أحديّ» جديدٍ يُضاف إلى ملحق «الخميس»، وكان أن صار لنا حضورٌ بارزٌ في الوسط الإعلامي قلّل من تأثيره وضعُ الجريدة العام؛ لكنه مثّل فتحًا مهنيًّا صمد أمام كل التبدلات التالية حتى تسلم شيخ الصحفيين أستاذنا خالد المالك رئاسة التحرير ثانيةً عام 1999م، وعنه حديثٌ يطول، لكنه لن يتمّ وشبهةُ المجاملةِ قائمةٌ بالرغم من أن من يطلعُ على الواقع يدركُ إلا مجال لأي ظنٍ؛ ولكن «رحم الله امرءًا كفّ الغيبةَ عن نفسه»، وهو ما دعاه إلى النأي عن الكتابة حول كثيرٍ من الموجودين في مواقع فاعلةٍ كي يسلم من تقوّلٍ لا يسلمُ منه مثلُه، ويذكر أنه قد أثنى على الأستاذ خالد بكلماتٍ موجزةٍ مركزةٍ في حفل مشهودٍ رعاه الأمير سلمان وتولى صاحبكم تقديمه عند افتتاح مقر المؤسسة عام 1996 م، ولم يكن الثناءُ عليه مفضلًا في ذلك الوقت، واتصل به من الغد الصديق الأستاذ حمد القاضي ليطلب نسخةً مما قاله بتكليفٍ من الأستاذ المالك الذي امتنّ لها كما فهم من أبي بدر. **لم يتدخل «أبا حسين « في شؤون «الأدب والثقافة»؛ بل تركنا نحرر ونستكتبُ من نشاء، وهو الأمر الذي كرسه «أبو بشار» كذلك ليظلّ صاحبكم مسؤولًا بشكلٍ كاملٍ عن القصور والخلل والضعف الذي اعتور ويعتورُ الصفحات والملحقَين ثم المجلة بعد ذلك، وكانا، وظل الأستاذ خالد، سندين لم يبخلا بتلبيةِ كل متطلباتِ العمل الثقافي الفاعل. ** لعل من أبرز ملامح هذه الفترة - إضافة لما سبق- البدءَ بإعداد ملفات متخصصةٍ عن الرموز الثقافية الأحياء، ومثلت هذه نقلةً مهمةً تجاوزت الرثاء للوفاء والدعاءَ للاحتفاء، وأيقظت الذاكرةَ الغافيةَ التي لا تأبهُ بالتقديرِ المعنويّ المهم الذي يراهُ الرائدُ في حياته، وبقيت علامةً بارزةً فارقةً لثقافة الجزيرة لم تتخلَّ عنها حتى اليوم، وكرمت - عبرها - أكثر من مئةِ رمزٍ سعوديٍ وعربي،وكانت الانطباعاتُ إيجابيةً عن هذا التوجه الذي أثمر عن توجهاتٍ مساندة، ومنها: أمسيات الوفاء، وكتب الجزيرة الثقافية، وزاوية « إمضاء «، وسواها، وجاء في شهادة سجلها شيخ التوثيق الأدبي الأستاذ محمد بن عبدالرزاق القشعمي أن ملفات الجزيرة، وتحديدًا العدد الخاص عن أستاذنا الراحل عبدالكريم الجهيمان، كان نقطة دخوله إلى عالم الكتابة، وقد ذكر ذلك في كتابٍ له يحكي تجربةَ عشرة أعوامٍ كاتبا. ** في العدد القادم الحلقةَ « الثلاثون» وهي الأخيرة في سيرة الكرسي الثقافيّ. [email protected] t :@abohtoon