ظهرت تباشير النهضة الأدبية والعلمية في بلادنا مع تأسيس المملكة على يد الملك عبدالعزيز رحمه الله. حيث كان ديوانه يضم نخبة المفكرين والمثقفين محلياً وعربياً، ومنذ ذلك التاريخ تبلورت المؤسسات الحديثة التي امتد إشعاعها إلى العالم. وصاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز ولي العهد وفقه الله ورعاه هو رجل المرحلة في مجالات السياسة والاقتصاد والثقافة والإصلاح والنهضة امتداداً لجهود المؤسس الملك عبدالعزيز وأبنائه الملوك والأمراء الميامين ورجالات الوطن المخلصين. وانطلاقاً من أجواء التفاؤل بمسارات الإصلاح والنماء والتطوير في بلادنا في جميع الصعد ومنها المشهد الثقافي. أرفع إلى سمو ولي العهد معاناة ثمان مجلات أدبية وتاريخية وتراثية وطنية عريقة نالت في الساحة الثقافية والعلمية طيلة عقود من تاريخ النهضة السعودية. فوجيء مؤسسوها ورؤساء تحريرها بقرار رسمي أدخلها في معادلة غير متكافئة مع زميلاتها من الصحف اليومية والمجلات الأسبوعية الأخرى التي حظيت بإيقاف الدعم الحكومي من جهة وعوضت بالحصول على مبالغ أكبر من جهة أخرى من خلال الإعلان الحكومي المدفوع من قبل الجهات الرسمية المعلنة. فأصبح القرار بمثابة دعم مضاعف مرات عديدة لكثير من الصحف والمجلات على عكس مجلات «المنهل والعرب وعالم الكتب والدرعية والشبل و الفيصل و البحوث الفقهية المعاصرة والبناء السعودية» التي لا تعتمد على الإعلان بسبب طبيعة مادتها العلمية والثقافية البحتة وبسبب أنها دورية شهرية أو ربع سنوية فيصبح القرار حينئذ بمثابة الحكم بتغييب صروح وطنية عن الأنظار لتصبح جزءاً من الماضي بدلاً من الواعد المشرق. وكان نص القرار المبلغ لوزارة الإعلام آنذاك الصادر في 22/6/1423ه قد قرر إلغاء الإعانة النقدية الخاصة بالصحف والمجلات بشكل تدريجي على مدى أربع سنوات بنسب متساوية، وقرر إلغاء مجانية الإعلانات الحكومية في الصحف والمجلات اعتباراً من العام الثالث من نفاذ القرار. ومن هنا فإن هذه المجلات توشك على الاضمحلال والانزواء بالرغم من إصرار منسوبيها على البقاء والتفاعل لأنهم فرسان الساحة بفضل التضحيات والعصامية التي رافقت تأسيسها على يد روادها: «عبدالقدوس الأنصاري وحمد الجاسر وعبدالعزيز الرفاعي رحمهم الله وأبو عبدالرحمن بن عقيل وعبدالرحمن الرويشد وعبدالرحمن المعمر والدكتور عبدالرحمن النفسية والدكتور يحيى بن جنيد الساعاتي وإبراهيم ابا الخيل»، وبفضل رعاية الدولة الكريمة لها منذ انطلاقة هذه المجلات. ٭ لم تعد هذه المجلات فردية بالمعنى الذي رافق مراحلها الأولى إنما غدت مؤسسات ومنارات ثقافية تعتمد على كوادر وهيئات استشارية ومجالس إدارات ومقرات وميزانيات.. وأنا عندما أكتب هنا عن هذ الصروح أتحدث عن موقع الخبرة. مديراً لتحرير مجلة الدرعية إلي جانب أستاذي الكبير الشيخ ابو عبدالرحمن بن عقيل فهناك هيئة تحرير من ستة أساتذة جامعات في تخصصات التاريخ والأدب والتراث وهيئة استشارية من ثمانية عشر عضواً من النخب الفكرية في المملكة منهم أستاذتين جامعيتين مرموقتين. وهكذا في بقية المجلات الزميلة. ٭ وعلى هذا النحو فإن التماسنا جميعا لدى مقام سمو ولي العهد بالنظر عاجلاً في موضوع هذه المجلات الثماني. بتعويض ما تم حسمه من إعانات لها اعتبارا من منتصف 1423ه ثم التوجيه الكريم باستمرار إعانة الدولة رعاها الله على سابق عهدها لأنها هي المورد الوحيد وهي الضمانة بإذن الله لاستمرار رسالتها التنويرية الثقافية مع الولاء لثوابت الدين والوطن. ٭ ولعل المقام هنا يكون مناسبا للتعريف مجدداً بأوليات هذه المجلات الثماني ومسيرتها: أولاً: مجلة المنهل: وهي مجلة شهرية للآداب والعلوم والثقافة. أسسها الأستاذ الكبير عبد القدوس الأنصاري رحمه الله في المدينةالمنورة عام 1355ه وجاء في افتتاحية العدد الأول عن المجلة على لسان صاحبها ومؤسسها «أما بعد فإن من دلائل نجاح المنهل أن تكون أول مجلة أدبية ثقافية تصدر في الحجاز في عهد الجلالة المغفور له «الملك عبدالعزيز آل سعود» ملك المملكة العربية السعودية الذي جعل مبدأه الحميد أن يأخذ بأسباب المدنية الحديثة كل جيد ونافع وصالح لأمته مع الاحتفاظ بتعاليم الدين الإسلامي الحنيف والاستضاءة بهديه القويم... الخ. واستمرت مسيرة المنهل المباركة من المدينةالمنورة وإلى مكةالمكرمة التي انتقلت إليها ثم استقرت مع مؤسسها وصاحبها ورئيس تحريرها «عبدالقدوس الأنصاري» واستمرت مسيرة المنهل آخذة نصب أعينها الحفاظ على تعاليم الدين الإسلامي الحنيف والمحاولة الجادة في إبراز لغتنا العربية الأصيلة والمحافظة عليها. ومحاولة إبراز الأديب السعودي وإيصال إنتاجه إلى متلقيه في الداخل والخارج. والمنهل مجلة شهرية تصدر في غرة كل شهر عربي إلى جانب أعداد خاصة سنوية من المجلة وإصدارات أخرى. وقد تولى الأستاذ نبيه بن عبدالقدوس الأنصاري رئاسة تحريرها منذ عام 1403ه بعد وفاة مؤسسها ورئيس تحريرها «الأستاذ عبدالقدوس الأنصاري» في 23/6/1403ه مواصلاً مسيرتها بقفزات كبيرة وذلك في تعدد أبوابها وتنوع كتابها وتنامي إخراجها وطباعتها. حتى غدت بشهادة قرائها مجلة الشؤون الأدبية. وبعد وفاة الأستاذ نبيه عبدالقدوس الأنصاري رحمه الله تولى رئاسة تحريرها ابنه الأستاذ زهير نبيه الأنصاري وفقه الله والمنهل الآن في السبعين من عمرها وتزيد، ثانيا: مجلة (العرب): أسسها علامة الجزيرة العربية الشيخ حمد الجاسر رحمه الله كأول أعمال «دار اليمامة للبحث والترجمة والنشر» وصدر العدد الأول منها في رجب 1386ه/1966ه، وهي مجلة شهرية تعنى بتاريخ العرب وآدابهم وتراثهم الفكري ولا زالت تصدر حتى بعد وفاته رحمه الله بفضل إخلاص تلاميذه وأحبته وابنه معن وبناته ورعاية الدولة الكريمة ووفاء صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز لصاحب الدار. وكان الجاسر رحمه الله يحرر أكثر مواد المجلة ويجيب على أسئلة القراء فأصبحت المجلة في مجموعها موسوعة تاريخية تراثية نادرة تشهد بمكانة هذا العالم الجليل. والى جوار مجلة العرب أصدر الجاسر سلسلة كتب بعنوان «نصوص وأبحاث جغرافية وتاريخية عن جزيرة العرب» بقيت شاهدة على إنجازات دار اليمامة. ثالثاً: مجلة (عالم الكتب) أسسها الأديبان عبدالعزيز الرفاعي -رحمه الله- وعبدالرحمن المعمر في عام 1400ه/-1980م وأسند أمر تحريرها إلي الأستاذ الدكتور يحيى محمود بن جنيد. تصدر كل شهرين وتهتم بالكتاب وقضايا النشر وتهدف إلى التعريف بالكتب، واشعار المتابعين والمتخصصين بماينشر منها في داخل المملكة وخارجها، والتعريف بالرسائل الجامعية ، ونشر الدراسات المحكمة . وهي مجلة لها مكانتها لدى الهيئات والمؤسسات العلمية، ولها حضور في أقسام الدراسات العربية والإسلامية في الجامعات والهيئات العلمية في أمريكا وبعض الدول الأوربية والآسيوية. يشارك ويسهم بالكتابة فيها عدد من أعلام الفكر المتخصص وأعضاء هيئة التدريس بالجامعات في المملكة، والوطن العربي. وللمجلة اهتمام خاص بإصدار أعداد متخصصة ولها نشاطات أخرى تسلط الضوء على جوانب مهمة من ثقافتنا وتراثنا المجيد تمثلت في صدور ملحق نصف سنوي باسم عالم المخطوطات والنوادر ، الذي يهتم بنوادر المخطوطات والمسكوكات ، والوثائق، والكتب النادرة. وللمجلة هيئة استشارية تحكيمية تحمل أعلى الشهادات العلمية مما جعلها معتمدة لدى الجامعات في المملكة وخارجها في الترقيات العلمية لأعضاء هيئة التدريس فيها، كما وجدت المجلة إشادات طيبة من العلماء والمفكرين في مجالها وكتب عنها الكثير في وسائل الاعلام لدورها المتميز في التعريف بالكتاب. رابعاً: مجلة الدرعية: أسسها الأديب الشيخ أبوعبدالرحمن بن عقيل الظاهري، وصدر العدد الأول منها في محرم 1419ه مع احتفالات بلادنا بالمئوية المباركة، وهي مجلة فصلية محكمة تعنى بتاريخ المملكة والجزيرة العربية وتراث العرب. وقد جاء في افتتاحية العدد الأول منها قول أبو عبدالرحمن (.. ومن كل هذه الوقائع كان حرصي على إصدار مجلة فصلية يكون كل عدد منها حفيلاً ثرياً .. وقد قام على دعم هذه الفكرة كل من صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز ، وصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز ومعالي وزير الإعلام - جزاهم الله خيراً- حتى صدرت الموافقة السامية بإصدار هذه المجلة.. وقد أردتها مؤسسة علمية، فيصدر عن الدرعية المجلة والكتاب العربي والمخطوط المحقق والوجادات المحققة، والتأليفات المستجدة.. ومن فضل الله أن حظيت هذه المجلة بلجنة استشارية عريضة من ذوي الكفاءة العلمية إضافة إلى هيئة التحرير والفاحصين الذين يتم اختيارهم مع كل مادة علمية تستجد). وقد صدر للمجلة حتى الآن ثلاثون عددا في المجالات التي تعنى بها، وأصبحت بفضل الله مجلة محكمة يقبل النشر فيها من قبل المجالس العلمية في الجامعات السعودية والعربية.. بالإضافة إلى اصداراتها العلمية المصاحبة. خامساً: مجلة الشبل: وهي مجلة خاصة بالأطفال تصدر كل خمسة عشر يوماً أسسها الأديب المؤرخ الأستاذ عبدالرحمن بن سليمان الرويشد عام 1402 ه/1981م في الرياض ويحررها نخبة من المربين باعتبار مجلة أدب الطفل أهم وسائل التوصيل بالنسبة لتثقيفه وتعليمه والوسيلة العلمية لغرس الميول القرائية والفكرية ، وأنه لايوجد وسيلة أخرى تعادلها في اكتساب المعلومات وتنمية القدرات والمواهب الكامنة. وللأستاذ الرويشد دور ريادي كبير في تدوين تاريخ المملكة والأسرة المالكة السعودية ومدينة الر ياض مع ماتصدره دار الشبل من مؤلفات لكتاب ومؤرخين معروفين بمكانتهم في الساحة الفكرية.. وهو يشرف بنفسه صباحاً ومساءً على أعمال الدار، ويستقبل في مكتبه يومياً العديد من الباحثين الذين يفيدون من تجاربه وخبراته في التاريخ والأدب والتراث. سادساً: مجلة البحوث الفقهية المعاصرة: وهي مجلة علمية محكمة متخصصة في الفقه الإسلامي صاحبها ورئيس تحريرها معالي شيخنا الدكتور عبدالرحمن بن حسن النفيسة، المستشار بالديوان الملكي صدرت باللغة العربية والإنجليزية سنة 1409ه ولها هيئة استشارية علمية ، وأهدافها نشر البحوث عن دور الفقه الإسلامي في حل القضايا والمشكلات والنوازل المعاصرة والبحث عن الحلول العلمية والعملية لها وفق المنهج العلمي . وصدر عن المجلة إحدى وعشرون إصداراً ثقافياً وكشافاً شاملاً إلى وقتنا الحاضر. سابعاً :مجلة الفيصل: وقد صدر ترخيص وزارة الإعلام في تاريخ 17 ربيع الأول 1397ه/1977م لمجلة الفيصل بناء على طلب صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل صاحب دار الفيصل الثقافية بالرياض لمزاولة أعمال النشر والطبع والتوزيع وصدر العدد الأول من مجلة الفيصل الثقافية في شهر رجب 1397ه الموافق يونيو/حزيران 1977م عن دار الفيصل الثقافية وقد حفلت المجلة منذ بدايتها ، بالكثير من الأسماء الأدبية اللامعة في الساحة الثقافية وتولى الأستاذ علوي الصافي مسئولية إدارة دار الفيصل الثقافية ورئاسة تحرير مجلة الفيصل من العدد 1 إلى العدد 177 . ألحقت دار الفيصل الثقافية بمركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية بعد نقل ملكيتها إلى مؤسسة الملك فيصل الخيرية في عام 1412ه وتولى الدكتور زيد بن عبدالمحسن الحسين مسئولية إدارة دار الفيصل الثقافية ورئاسة تحرير مجلة الفيصل من العدد 178إلي العدد 264 ثم تولى الأستاذ الدكتور يحيى محمود بن جنيد مسئولية إدارة دارالفيصل الثقافية ورئاسة تحرير مجلة الفيصل ابتداء من العدد 266 حتى الآن. وقد انتقلت دارالفيصل الثقافية إلى مباني مؤسسة الملك فيصل الخيرية ضمن مباني مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية في عام 1419ه حيث يساهم في الكتابة في المجلة عدد كبير من الكتاب والمثقفين والأدباء من داخل المملكة وخارجها . وتتناول المجلة القضايا الثقافية والحضارية المعاصرة والمتصلة باهتمامات القراء . وتمتاز المجلة بجدية وتنوع الأفكار وشمولية التغطيات دون غلو ولا قصور ، وإنما بموضوعية ومعقولية وتوسط . وتهتم المجلة بالتواصل مع المؤسسات العلمية والثقافية المحلية والعالمية وتبادل المعلومات والإصدارات معها. ثامناً : مجلة البناء : تأسست مجلة البناء عام 1398ه/1978م على يد المهندس الأستاذ إبراهيم بن عبدالله أبا الخيل كأول مجلة عربية متخصصة في مجال العمارة والتخطيط والمساكن والعقار والمشاريع الحكومية والمشاريع الكبرى للقطاع الخاص، وتصدر من الرياض وعلى مدى 28عاماً في مجال الإعلام المتخصص ، كانت مجلة البناء -ولاتزال -رائدة في أسلوب عرضها للمشاريع والمقاولات المعمارية، حيث إن مجلة البناء تعتبر نبرة معمارية رائدة ليس في المملكة العربية السعودية فحسب ، بل في العالم العربي بشكل عام . أيضاً ، تعتبر مجلة البناء هي المصدر الأساسي لجمع المعلومات الخاصة بالعمارة والمشاريع الحديثة لكل شخص ، سواء كان معمارياً أومهندساً مدنياً أو طالباً في كلية العمارة أوغيرهم . إضافة إلى ذلك فإن مجلة البناء دائماً ماتكون سباقة في طرحها وعرضها لجميع المشاريع الحكومية داخل المملكة العربية السعودية وعرضها بشكل بارز لقرائها . كذلك تحتوي مجلة البناء على ملفات خاصة تعرض ما هو جديد من منتجات البناء والإنشاء والتشييد، وكل ما يخص المسكن وذلك من أجل مواكبة أحد أسواق المملكة الكبرى وهو سوق البناء. ومن أهم الأعداد التي نشرت المجلة، وهي كثيرة من أبرزها:(عدد المئوية) عدد (موسوعة العقار) ، (موسوعة المسكن ) وأيا كانت مناسبة العدد أو موضوعه فإن القارىء المتصفح للمجلة سيجد فيها كل مايفيده في المجالات التي تطرحها المجلة. وصدر عن المجلة البناء (178)عدداً منذ تأسيسها ، كانت جميع هذه الأعداد مواكبة لسوق البناء السعودي والمشاريع الحكومية الكبرى ومشاريع التطوير العمراني والإنشائي في المملكة العربية السعودية. وأخيراً فإن معالي أستاذنا المفكر أياد بن أمين مدني وزير الثقافة والإعلام الذي استبشر بقدومه أرباب الفكر والقلم باعتباره زميل مهنة وسادن كلمة قادم من صومعة التاريخ والأدب قد تشرب سيرة وعطاء والده مؤرخ المدينةالمنورة وأديبها السيد أمين عبدالله مدني وأسرته العلمية الفاضلة..أقول إن معالي الوزير خيرمن يقدر دعم الالتماس وتأييده أمام أنظار سمو ولي العهد من أجل الإبقاء على ثروة وطنية ثقافية تخشى أن تكون في ذمة (كان) على حد تعبير أحد الزملاء الأدباء . وهو الأستاذ عبدالحفيظ الشمري الذي تفضل مشكوراً بتحرير مقال عن الموضوع. وفق الله دولتنا لكل خير . ٭ مدير تحرير مجلة الدرعية