أعلنت هيئة السوق المالية عن عقوبات مؤخرًا على مستثمرين قاموا بتعاملات ثبت مخالفتها لأنظمة ولوائح التداول بالسوق المالي السعودي وإذا كانت هذه العقوبات أمرًا اعتاد السوق على سماعه إلا أنها حملت تطورًا مهمًا وهو إيقاع عقوبة السجن على أحد المتداولين وبالتأكيد فإن وقع هذا الإجراء الجديد وغير المسبوق له أهمية كبيرة ورسالة واضحة بأن الهيئة عازمة ومستمرة بمنع أي تلاعب لضبط تعاملات السوق. لكن تكرار هذه المخالفات التي بتنا نسمعها أكثر من مرة في العام الواحد تطرح تساؤلات حول السبب في تكرارها من قبل بعض المتعاملين خصوصًا أن نوعية المخالفات غالبيتها متكررة فما الذي يدفع هؤلاء للقيام بالمخالفات بالرغم من أنّها مكشوفة لدى الهيئة وبصورة فاعلة وسريعة عبر نظام التعاملات الذكي. وإذا كان الدافع لذلك بديهيًا وهو تحقيق ربح أعلى بالتضليل والغش لكن القضاء عليها يتطلب عمقًا بدراسة العديد من الجوانب التي تسمح بتكرارها، فاذا ما نظرنا لها بمفهومها العام سنرى أنها عملية تحريك سريع للأموال يستهدف أي قناة استثمارية بهدف تحقيق الربح السريع بمعنى أن هذه الأموال تتحرك بالسوق المالي والعقار وحتى السلع ولكن متى يتم كشف تجاوزاتها فقط عندما تتعامل بسوق تحكمه أنظمة آلية تكشف تجاوزاته كالسوق المالي وهذا يعني أن أي قناة لا تحكمها آليات وضوابط مقننة ممكن أن تترك تأثيرها السلبي دون أن يطالها العقاب، وهذا يعني أننا بحاجة إلى تنظيم كل القنوات الاستثمارية بآليات تمنع تأثير هذه الأموال السلبي، فدائمًا ما نسمع عن شح بسلع واحتكار وارتفاع فيها دون مبرر داخلي أو خارجي مما يستدعي سرعة إطلاق بورصة عقارية وكذلك للسلع لتنظيم تدفق هذه السيولة، كما أن ما يخص حركتها بالسوق المالي يتطلب تعديلات جوهرية بآليات التعامل وتنظيم السوق بداية بتقسيم السوق لسوقين ووضع كل الشركات المضاربية بسوق تختلف تعاملاته وطرق تسويته ونسب الحركة فيه عن السوق الحالي، كما يفترض توسيع دور المؤسسات المالية وتحويلها لبنوك استثمارية برؤوس أموال كبيرة تتيح لها أن تكون صانعًا لحركة الأسهم وإطلاق منتجاتها بوقت أقصر ومنح القروض الاستثمارية للمتداولين وتوفير كل ما تحتاجه لممارسة دورها كما هو الحال بالأسواق العالمية، كما يفترض أن يتم دراسة محافظ المخالفين، فبعضهم وهذا بحسب ما نسمع ليسوا سوى واجهة لمن يديرون المحافظ أو قادة المجموعات المضاربية فكلما عوقب أحدتم توقيفه تم استقطاب غيرهم وتحويل مبالغ لمحافظهم ويقومون هم بإدارتها دون علمه أو بتوجيه منهم وكثير منهم لا يعلم أنه يخالف الأنظمة بطريقة تسجيل أوامره ويكون هو من يتحمل تبعات المخالفة، فلماذا لا ينظر وبالتعاون مع مؤسسة النقد في جانب حركة الأموال التي تدخل لمحفظة ما إذا كان صاحبها لا يوجد لديه سجل ينبئ عن ملكيته لمثل هذه الأموال إذا كانت قفزتها كبيرة بحساباته والمقصود هنا من يقوم بمخالفة حتَّى يتم اقصاء مثل هذه الحيل إذا كانت موجودة حقيقة كما نسمع، كما أن تغليظ العقوبات على من يديرون المحافظ بطرق غير نظامية لأكبر مما هو عليه الآن بالتأكيد سيحد كثيرًا من هذه الظاهرة ولتحقيق ذلك من الأفضل نقل هذه المخالفات للقضاء، فلجنة فض المنازعات تبقى أقل مرتبة من القضاء وتبقى بنظر المتعاملين جزءًا من الهيئة وإن كانت منفصلة عنها إلا أنها تبقى على علاقة بها مما يعطي انطباعًا بأن هيئة السوق الخصم والحكم ولذلك فإن قيام الهيئة بالتنسيق مع مقام وزارة العدل بتخصيص محاكم لقضايا مخالفات السوق سيعطي بعدًا أكبر لإمكانية تغليظ العقوبات ومجالاً أوسع لكي يتمكن المتهم بالمخالفة من الدفاع عن نفسه ويخفف عن الهيئة هذا الجانب المهم من مسئولياتها ويقلص من المدة الزمنية لإصدار الأحكام في القضايا المرفوعة، كما يتيح المجال بشكل أكثر وضوحًا للمتضررين من تلك المخالفات لرفع القضايا ضد من تسببوا بخسائر لهم ويوسع من دور وتخصص وخبرة مكاتب المحاماة لتولي هذه القضايا نيابة عن المتضررين وييسر عليهم تحصيل حقوقهم دون عناء الحضور للرياض بتوكيل تلك المكاتب نيابة عنهم. ولا بد أيضًا من النظر مجددًا بالأدوات الاستثمارية المساندة كخيارات العقود والبيع على المكشوف وغيرها من الأدوات التي يسمح النظام الإلكتروني للسوق بها فهي عوامل ستحد من التذبذب والتقلبات وستسمح برفع دور المؤسسات المالية في إدارة الحركة بالسوق فأحد أهم عوامل التحرك الكبير بالأسعار خصوصًا على شركات المضاربة ناجم عن عدم وجود آليات أخرى للتعامل مع السهم سوى شراء وبيع السهم فقط مما يساعد على التقلبات العالية بحركته، كما نأمل أن يتم تخفيض نسبة ظهور الملكية بالسهم من خمسة بالمئة إلى واحد بالمئة لأنَّ ذلك من شأنه أن يعطي رقابة أكثر على من يملكون هذه النسب وتستطيع الهيئة التشدد بالزامهم عن أسباب البيع والشراء لما فوق هذه النسبة المتدنية ومنعهم من بيع إلا كميات محددتحد من مقدرتهم على التخلص من هذه الكميات بوقت قصير، إذا ارتفع سعر السهم بنسب كبيرة، كما أن فتح السوق للمستثمر الأجنبي سيسهم بتنويع مصادر السيولة بالسوق ويزيد من الأطراف المتنافسة على الفرص الاستثمارية وغالبًا ما سيتوجه المستثمر الأجنبي للشركات الجيدة خصوصًا إذا تم منعهم من التداول على الشركات الصغيرة أو المصنفة كمضاربة. إن ما قامت به هيئة السوق المالية من جهود لتطوير السوق وتنظيمه واضحة بآثارها الإيجابية بشكل عام على الارتقاء بتعاملات السوق من حيث اللوائح والأنظمة وضبط التعاملات ولكن الأسواق دائمًا تحتاج لتطوير وتحديث بانظمتها نظرًا لتطور آليات التداول وأساليب المتداولين بطرق تعاملهم مع الأسواق.