تكون الجامعات معزولة عن المجتمع ومحدودة المنفعة عندما تكتفي بوظيفة واحدة من وظائفها وهي تدريس الطلاب لمرحلة ما بعد التعليم العام. وكتقليد تاريخي ظلت هذه الوظيفة هي الأساس حتى أن بعض الجامعات يكاد ينحصر دورها في تقديم مادة دراسية، لكننا نعرف الآن أن هذه الوظيفة رغم أهميتها ليست إلاَّ واحدة من وظائف الجامعات. وعندما نتأمل مسيرة الدول التي حققت مستويات عالية من التقدم والتنمية نجد أن جامعاتها كانت لاعباً رئيسياً في هذا الإنجاز ليس فقط من خلال تدريس الطلاب وإعداد الكوادر البشرية المؤهلة وإنما أيضا من خلال أبحاثها العلمية ذات الصلة بمجتمعاتها.. فهي ليست قاعات للمحاضرات فقط بل مختبرات ومحاضن للبحث والابتكار وإيجاد الحلول للعقبات التنموية التي واجهت تلك المجتمعات وذلك بالتعاون مع الشركات الكبرى التي تستفيد من البحوث وتحولها إلى منتجات صناعية. ولعل من أبرز الأمثلة في هذا المجال جامعات كوريا الجنوبية والجامعات اليابانية، بالإضافة إلى الجامعات العريقة في أوروبا والولاياتالمتحدةالأمريكية. يقول الدكتور عبدالعزيز بن عبدالله الدخيِّل مدير جامعة الملك فهد للبترول والمعادن سابقاً في كتابه «التعليم العالي ماله وما عليه» أن معهد ماساتشوستس للتقنية MIT في الولاياتالمتحدةالأمريكية استطاع خلال حوالي 150 سنة أن يؤسس أربعة آلاف شركة لتسويق منتجات علمائه وباحثيه يعمل فيها حوالي مليون شخص!! وهذا مثل صارخ على ما يمكن أن تنجزه مؤسسة جامعية واحدة لتنمية مجتمعها. ومن المؤكد أن النهضة الكبيرة التي حققتها الولاياتالمتحدةالأمريكية منذ تأسيسها يعود إلى حد كبير إلى إسهام جامعاتها ومؤسساتها البحثية في التطوير والابتكار. ومنذ أيام قريبة أجرت قناة «الحرة» لقاءً شيقاً مع باحث وأستاذ جامعي أمريكي شهير هو Robert Lieber مؤلف كتاب Power and Willpower in the American Future: Why the United States Is Not Destined to Decline رد فيه على الأطروحات التي يقول بها البعض عن احتمال تداعي وانهيار الولاياتالمتحدة. وكان من أهم ما ذكره، من وجهة نظري، هو تميز الجامعات الأمريكية ودورها في استمرارية زخم التقدم موجةً بعد موجة.. وكلما خفتت ثورة علمية بزغت ثورة علمية أخرى جديدة لتدفع المجتمع الأمريكي إلى الأمام بالتعاون مع الشركات الصناعية والمؤسسات الاقتصادية المختلفة التي تدعم البحوث ثم تقطف الثمار بتحويل هذه البحوث إلى منتجات تعزز الاقتصاد الأمريكي وتوفر الوظائف للمواطنين. نحن نلمس بوادر وبشارات جميلة في بلادنا في هذا الاتجاه، ومن ذلك إنشاء جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية «كاوست». يقول نائب رئيس الجامعة للتنمية الاقتصادية أمين الشيباني في ملتقى صناعي عُقد مؤخراً أن جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية قامت بتخصيص أكثر من ثلاثة ملايين متر مربع لإنشاء مراكز بحثية وعلمية خاصة بالشركات.. وقد أسست حتى الآن ثلاث شركات كبرى مراكز خاصة بها هي شركة أرامكو وشركة سابك وشركة داو. ومع تزايد عدد الجامعات الحكومية والأهلية في بلادنا وانتشارها في جميع المناطق يظل الأمل في ألا تنكفئ على نفسها فتكتفي بتدريس الطلاب والطالبات.. لابد من الإسهام الميداني الفعلي لتنمية المجتمع عن طريق البحوث والدراسات وعمل شراكات مع المؤسسات الاقتصادية للخروج بتطبيقات صناعية لهذه البحوث وتحويلها إلى منتجات.. وبهذا ينمو الوطن ويتقدم. [email protected] ص.ب 105727 - رمز بريدي 11656 - الرياض