كانت تجمع الشيخ محمد العبدالعزيز العجاجي -رحمه الله- بأسرة آل سعود الكريمة علاقات متينة امتدت لسنوات طويلة، ورثها عن أسلافه، وكانت علاقته قوية بالإمام عبدالرحمن الفيصل آل سعود، والملك المؤسس عبدالعزيز، والأمير الشيخ عبدالله بن جلوي آل سعود، وابنه الأمير سعود بن عبدالله بن جلوي، والأمير عبدالعزيز بن مساعد بن جلوي، وغيرهم، هذه العلاقات هي علاقات شخصية قائمة على الثقة والمحبة والنصرة، بين أفراد الأسرة المالكة وبين الجد الشيخ محمد وأسرته، حيث أن الشيخ محمد لم يكن في يوم من الأيام موظفاً في الدولة يقوم بعمله الوظيفي، بل علاقته بهم أقوى من ذلك وأعمق. حيث كان يدعم هذه الدولة الراشدة بعظيم جهده وحر ماله وثمين وقته دون مقابل مادي، بل نصرة لدين الله، ثم ولاء ثابتا موروثا من أسلافه للدولة السعودية وحكامها الأماجد. وسأبدأ بعلاقته مع الإمام الوالد عبدالرحمن بن فيصل بن تركي آل سعود، وهي علاقة أبوية متينة، بُنيت على معرفة سابقة، ومحبة خالصة، فالشيخ محمد العجاجي كان بمثابة الابن للإمام، وباستعراض وثائق الشيخ محمد العجاجي نجد أن الإمام كان يوكله على كثير من الأعمال الخاصة والعامة، كما كانا يتبدلان التهاني والتعازي. ففي وثيقة بتاريخ 13 رجب 1345ه، يقدم الإمام شكره على التعزية في وفاة فضيلة الشيخ حمد بن فارس، ومما ورد فيها قوله: «مخصوصاً التعزية في حمد بن فارس، نرجو أن الله تعالى يغفر له ويرحمه ويسكنه الجنة وهذا يومه الموعود وأجله المحدود والحمد لله رب العالمين». ونجد في وثيقة بتاريخ 3 محرم 1346ه رداً من الإمام للشيخ محمد على التهنئة بعيد الأضحى المبارك، ومما ورد فيها: «مخصوصاً التهنئة بعيد الله السعيد، لا زال يعود علينا وعليكم سنين عديدة وأياما مديدة في خير وعافية وجميع المسلمين». وفي وثيقة أخرى بيّنت مكانة الشيخ محمد العجاجي عند الإمام عبدالرحمن بياناً واضحاً، وكانت بتاريخ 25 ربيع الآخر 1346ه، يقول فيها الإمام عبدالرحمن: «مخصوصاً كشفكم على بيت المال، وتحقيقكم لجميع أموره، وحرصكم على ذلك واجتهادكم فيه بارك الله فيك، صرنا في جنابك ممنونين، جزيت عنا كل خير، والحقيقة مثل ما عرفنا عبدالله الله يسلمه (يقصد هنا الأمير عبدالله بن جلوي) وعرفناكم أن الاعتماد على الله ثم عليكم، ولا عندنا منه دبرة ولا سنع ولا نظر، لا في في تعمير ولا تضمين» ثم يقول -رحمه الله-» والاتكال على الله ثم عليكم في جميع الأحوال» ثم يقول في موضع آخر» واعتمادنا على الله ثم عليكم، وانتم إن شاء الله فيكم البركة». وفي وثيقة أخرى بتاريخ 12 جمادى الآخرة 1346ه: «مخصوصاً ما عرّف جنابكم من الحرص والاجتهاد وحصول الزيادة في مضمونات بيت المال في كل موضع بحسبه، بارك الله فيك، وكذلك ما ذكرتم من حرصكم أن يكون الالتزام بيد الأقوياء، فهذا هو مطلوبنا، وصرنا كثير ممنونين من جنابك جزيت عنا كل خير، وكما عرفناك سابقا ولاحقا، أن الاعتماد على الله ثم عليكم في جميع الأحوال، ونجزم أنكم أحرص منا على جميع الأمور، ولابدّ الأمر الذي بطرفكم وهمتكم أن ينجح إن شاء الله ويكون على ما في الخاطر، وحنا عرفنا عبدالله (بن جلوي) باللي في الخاطر». وفي دلالة على عمق العلاقة، نجد وثيقة بتاريخ 27 ربيع الأول 1346ه من شقيقة الإمام وهي الأميرة الجوهرة بنت فيصل بتركي آل سعود -رحمها الله-، التي كانت لها علاقة صداقة ومودة مع السيدة سارة السويلم والدة الشيخ محمد العجاجي -رحم الله الجميع-، وفي الخطاب تطمين على حال والدته، وشكرا ً له على إرسال جارية لخدمتها، وتهنئة له بالمولود الجديد، ومما ورد فيها: « وما أشار إليه جنابك من طرف الوالدة فتدري وتجزم إن حنا وإياكم حال واحد، وحقها علينا متأكد، والنظر إن شاء الله عليها في جميع الأحوال، ومن طرف الجارية وصلت إليها، وتدعي لك عساه ما يحجب، وإن شاء الله إنها توافق لها الله يبارك فيك، ومخلوف ما راح للوالدين وأرضاهم، أيضاً ما ذكرت لنا أن جاء لكم ولد، وحنا نستبشر بالذي يسركم سارنا، وما درينا إلا من خط الوالدة الله يجعله عبد صالح». أما علاقته بالملك المؤسس عبدالعزيز، فهي علاقة قوية متينة، لها جوانب دينية واجتماعية، وسياسية وإدارية واقتصادية. وبقراءة متمعنة لمئات الوثائق بينهما، نجد أن الملك عبدالعزيز كان يطلع الشيخ محمد العجاجي على خطوات توحيد البلاد، و غيرها من تطورات الأحداث السياسية، ففي وثيقة عن ضم مكةالمكرمة بتاريخ 28 ربيع الأول 1343ه ورد فيها: «نبشركم أن الله فتح مكةالمكرمة على أيدي عباده المسلمين المجاهدين» وتمضي الوثيقة في وصف تفاصيل الأحداث، ويتبين فيها حرص الملك المؤسس على أمن بيت الله الحرام وراحة ساكنيه، ومنها: « وقفوها المسلمين رافعين أصواتهم بالتلبية، وبحمد الله تعالى وتمجيده، خاضعين رؤوسهم هيبة وذلا لجلاله تعالى وقدرته وتعظيما لبيته الحرام، واتباعا لسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فكانوا يطوفون ويسعون والأهالي في أعمالهم وأسواقهم يبيعون ويشترون، لم يؤخذ منها مال، ولم يسفك فيها دم، ولا غيّر حال من الأحوال، وقد وردتنا مكاتيب جميع الأهالي يثنون على سيرة المسلمين ويحمدون الله تعالى ويشكرونه الذي أذهب عنهم الجور وأهله، فله سبحانه وتعالى الحمد والمنة». وورد في وثيقة بتاريخ 28 صفر 1344ه خبر حصار ينبع البحر. وفي وثيقة بتاريخ 27 جمادى الأولى ورد فيها خبر الاستيلاء على المدينةالمنورة على يد الأمير محمد بن عبدالعزيز -رحمه الله-. وفي وثيقة بتاريخ 10 جمادى الثانية 1344ه عن ضم مدينة جدة، تتجلى فيها إنسانية هذا الملك الصالح، حيث ورد فيها: «ولما رأينا ذلك موجب محبتنا للسلم، وعدم سفك الدماء، وما هو حال بأهل جدة من الضعف والضيق، وخوفاً من حدوث فتنة يحصل منها مضرة على الرعايا الأجنبية، لهذا أجبناهم على ذلك، وقبل تاريخه (أي الخطاب) سلمت جدة وينبع وقبضنا جميع المهمات فيها». كان الملك عبدالعزيز حريصاً على متابعة التطورات السياسية في العالم، ومن ذلك ما ورد في وثيقة بتاريخ 20 محرم 1343ه، يبين حرصه على أخبار العراق، ويؤكد فيها على اشتراك الجرائد ليتابع ما يحدث. وفي وثيقة بتاريخ 5 رمضان 1345ه، يوجه الملك عبدالعزيز الشيخ محمد العجاجي باللحاق بحافظ وهبة في الكويت لبعض المهام السياسية هناك. وفي وثيقة أخرى بتاريخ 30 شعبان 1348ه ورد فيها ذكر بعض التبعات الأمنية والسياسية لمعركة السبلة. كان الملك عبدالعزيز يخبر الشيخ محمد العجاجي بخروجه من الرياض ورجوعه لها، والطريق التي يسلكها، ومما ورد في ذلك وثيقة بتاريخ 11 رجب 1345ه ورد ما نصه: «نعرفكم أنه في يوم الخميس الموافق 9 الجاري يسر الباري وصولنا الوطن بحال الصحة والسلامة ما رأينا بفضل الله مكروه، وقد كان سفرنا من المدينة بالسيارات وفي غاية من الراحة والتسهيل نشكر الله على ذلك». كلف الملك عبدالعزيز الشيخ محمد العجاجي بتأسيس المجلس البلدي، وكان يكتب له ويتابع معه أولا بأول، منها ست رسائل خلال أربعة أشهر -تقريباً- يناقشه فيها عن أعمال بلدية الأحساء، ويتابع معه هذا العمل بصورة دقيقة جداً، ففي رسالة للجد والمؤرخة في 7-4-1349ه أبدى له سروره بالتقارير المرسلة من الجد حول البلدية، وكان مما قاله -رحمه الله- « خصوصاً ما ذكرتم عن البلدية وأنها سائرة في عملها على حسب المرغوب فقد سرنا ذلك. ونحن جل رغبتنا أن تكون أعمالها سائرة وفق رغبتنا وكما تقتضيه المصلحة فلاحظوا ذلك»، وفي رسالته المؤرخة في 3-5-1349ه كان واضحاً أن يهدف من حرصه على تطوير أعمال البلدية إدخال السرور والراحة على الأهالي...لأن تقدم أعمال البلدية ينعكس إيجابياً على الأهالي كما نعرف. لكن رسالته -رحمه الله- المؤرخة في 11-6-1349ه كانت أكثر تفصيلاً من سابقاتها، حيث أكد على الشيخ محمد -رحمه الله- أن يتابع التفاصيل الدقيقة لكل أعمال البلدية، ولكل العاملين فيها أيضاً. يؤكد -رحمه الله- في تلك الرسالة على أهمية ألا تكون جلسات مجلس البلدية متوالية وبحسب النظام الموضوع لذلك، كما أكد أيضاً على أهمية التزام الأعضاء بالحضور لأعمالهم. نقطة أخرى في غاية الأهمية جاءت في هذه الرسالة وهي تأكيده على أهمية أن تعمل البلدية على تحقيق مداخيل مالية تجعلها قادرة على الإنفاق على أعمالها بنفسها. كان الحج وما زال من أهم الأمور لقادة هذه البلاد منذ عهد المؤسس وحتى عهدنا الحاضر، وكان الملك عبدالعزيز حريصاً على إطلاع الجد محمد وطمأنته بيسر الحج وسلامة الحجاج، ففي رسالة كتبها الملك عبدالعزيز لجدي الشيخ محمد العجاجي في 16 ذو الحجة عام 1345ه شرح فيها ما يلقاه الحجاج من راحة تامة في أداء نسكهم، وكان مما قاله في رسالته: «الحج يوم الخميس، والمسلمين من فضل الله صحتهم على ما يرام، والحج حج طيب وسكون وراحة للجميع». وفي الرسالة نفسها قال الملك عبدالعزيز: «وقد بلغ مجموع الحجاج تقريباً من عرب وأغراب مائتين وخمسين ألفاً نرجو الله سبحانه أن يتقبل من الجميع ويحفظنا وإخواننا المسلمين». وفي رسالة وجهها الملك عبدالعزيز -رحمه الله- للجد الشيخ محمد العبدالعزيز العجاجي -رحمه الله- بتاريخ 6 ذو الحجة عام 1346ه تحدث فيها عن وضع الحجاج في تلك السنة جاء فيها: «ومن أخبار طرفنا فهي من فضل الله على ما يرام من جميع الوجوه، الحج يوم الثلاثاء والصحة عامة، المسلمين كلهم ولله الحمد بغاية الصحة والعافية، ولا قد صار مثل هذه السنة من فضل الله من البراد ووفرة المياه والناس راكدين مطمئنين نحمد الله على ذلك ونرجوه دوام نعمه ومزيدها». حرص الملك عبدالعزيز على بر والده الإمام عبدالرحمن رحمه الله، بعد وفاة الإمام عبدالرحمن -رحمه الله- أرسل الملك عبدالعزيز -رحمه الله- خطاباً بتاريخ 27 ذو الحجة 1346ه، إلى الجد الشيخ محمد العبدالعزيز العجاجي يخبره فيها بوفاة والده، يقول: «أحوالنا من كرم الله جميلة، بعد ذلك من قبل وفاة سيدي الإمام، الحمد لله هذا يومه الموعود، وأجله المعدود، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، الحمد لله رب العالمين، إنا لله وإنا إليه راجعون». ثم يأتي دور الوفاء للإمام الوالد، والذي عرف به الإمام -الابن- عبدالعزيز، حيث كتب للجد الشيخ محمد يقول له: «نخشى أن يكون عليه دين لأحد، ولا بد من مصاريف لأملاكه، ولابد أن شلهوب معرفك إن احتاج لشيء تسنعه له لو سلف، وألزم ما علينا دينه، ولا ودنا يصير إلا من ريع أملاكه»، إن المطلع على هذه الوثائق يعلم جيداً حرص الملك عبدالعزيز على الوفاء بدين والده وإبراء ذمته في أسرع وقت، والوثيقة تبين مدى العلاقة التي تجمع الملك عبدالعزيز بالجد محمد والثقة الكريمة التي كان يوليه إياها. أما عن علاقة الشيخ محمد العجاجي بسمو الأمير الشيخ عبدالله بن جلوي آل سعود فهي أشهر من أن تذكر، علاقة متينة كعلاقة الوالد بولده، استمرت لخمسة وعشرين عاما كما ورد في إحدى وثائق جدي الشيخ محمد العجاجي، أي من عام 1329ه إلى وفاة الأمير عبدالله عام 1354ه، وهذا يعني أنها بدأت حتى قبل دخول الملك عبدالعزيز للأحساء. كان خطاب الأمير عبدالله للجد الشيخ محمد العجاجي بصيغة «من عبدالله بن جلوي إلى جناب الأجل الأمجد الأفخم الولد المكرم محمد بن عبدالعزيز العجاجي»، وألفت انتباه القارئ الكريم إلى كلمة « الولد» التي تبين مدى عمق وحميمية العلاقة بينهما، وكان الجد محمد يخاطبه باسم الوالد الأمير، كما وجدت ذلك في إحدى سجلاته ما نصه: «توفي الوالد الأمير عبدالله بن جلوي رحمه الله تعالى في 2 شعبان سنة 1354ه». هذه العلاقة التي تترجمها المئات إن لم تكن الآلاف من الوثائق، لا أستطيع المرور عليها في مقال مقتضب كهذا، ولكن سأكتفي بالإشارة إليها. كان الجد الشيخ محمد همزة وصل بين أمراء الأحساء وبين وآل خليفة شيوخ البحرين، وآل صباح شيوخ الكويت. وفي وثيقة بتاريخ 29 جمادى الثانية عام 1354ه ورد ما نصه: «كتابكم المكرم المؤرخ 25 الجاري وصل وما عرفتم كان معلوم والمكاتيب التي بطيه وصلت، وستجدون بطيه ثلاثة كتب لصباح ناصر الصباح، وحمود الجابر الصباح، وعبدالعزيز بن دغيثر، إن شاء الله ترسلونها لهم مع أول متوجه». كما كان الأمير عبدالله بن جلوي يكلف الجد الشيخ محمد بالفصل في القضايا التجارية والعقارية، ومن ذلك ما ورد في وثيقة بتاريخ 6 ربيع الثاني 1349ه ما نصه: «من طرف السيد علي والسيد محمد الغافلي تنظر في دعواهم وتشوف المخطي منهم وتعلمنا به يكون معلوم»، كما كان يكلف الجد الشيخ محمد بالفصل في قضايا وخلافات البادية، لما كان يتصف به الشيخ محمد العجاجي من حزم وبعد نظر ومعرفة في أحوال وعادات أهلها، وعلاقاته بشيوخها وأهل الرأي فيها. كما كانت للشيخ محمد العجاجي علاقات وطيدة وقديمة بالأمير عبدالعزيز بن مساعد بن جلوي آل سعود -رحمه الله-، وقد اطلعت على وثائق عديدة بينهما، يتبين فيها أن ثقة الأمير عبدالعزيز بالجد محمد ثقة قوية، كما كان يخبر الجد محمد بتحركاته ورحلاته، ومن ذلك ما ورد في وثيقة بتاريخ 18 صفر 1348ه حيث يخبره بتوجهه إلى المدينةالمنورة لزيارة الحرم الشريف، ويثني على وضع العربان في أمارته. أما عن علاقاته بسمو الأمير سعود بن عبدالله بن جلوي، فهي علاقة متينة لا تقل متانة عن علاقاته بوالده، حيث كان الشيخ العجاجي محل ثقة الأمير سعود في العديد من المهام التي كان يقوم بها في عهد والده، وهناك المئات إن لم تكن الآلاف من الوثائق بينهما، وسأحاول أن أستعرضها في مقال مستقل، ولعل في الصور الفوتوغرافية المرفقة مع هذا المقال ما يكفي عن القول. ماهر بن ناصر بن محمد بن عبدالعزيز العجاجي