حيث إنه لا يختلف العقلاء، ولا يرتاب الفضلاء، ولا يشك النبلاء، أن سرقة نتاج العقول أدهى وأمر من سرقة نتاج الأجسام والفضول!! وجراحات القلوب والوجدان أنكى وأفدح من سرقة الأموال والأبدان!! جراحات السنان لها التئآم ولا يلتام ما جرح اللسان!! وقد حرم الإسلام انتساب الولد لغير أبيه فقال صلى الله عليه وسلم (من انتسب لغير أبيه ففي النار) فكذلك نسبة العلم إلى غير قائله، والكتاب إلى غير مؤلفه!! هذه جريمة نكراء ونقطة سوداء، وخيانة للأمانة، وجرأة على الأخلاق السامية المرعية!! استفتيت هيئة كبار العلماء في كتاب لدي وسم ب(الأحكام الدنيوية لتارك الصلاة) وفقني الله فيه لجمع (23) حكماً لتارك الصلاة، أصلها نُقولات عن فتاوى هيئة كبار العلماء، وفتاوى شيخ الإسلام، وفتاوى الشيخ بن عثيمين .. فسألتهم: هل من حقي رفض طلب تقدم به أحد الإخوة وهو: (عزمه على اختصار هذه المادة العلمية ووضعها في مطوية صغيرة..) فهل لي الحق في السماح والرفض؟ فأجابوا بأن هذه من حقك!! عوداً إلى موضوعنا وهو سرقة نتاج الأفكار، وبراءة الاختراع، فيا أيها العقلاء: أليست سرقة العقول والأفكار أشد وطأة وأنكى جرحاً من سرقة الأموال؟! إن من يقترف هذه المحاذير العلمية اللا أخلاقية فهو ضامر العقل، قاصر النظرة، دني العلم، شقي السلوك، لكن، كما قال صلى الله عليه وسلم (إذا لم تستح فافعل ما شئت)!! يعيش المرء ما استحيا بخير ويبقى العود ما بقي اللَّحاء إذا لم تخشى عاقبة الليالي ولم تستح فاصنع ما تشاء فهذا السارق المارق المرتقي على أكتاف غيره، مآله مكشوف، ومصيره مفضوح، وإن كان ريشه منفوش!! وقد وضع العلماء: للاقتباس من مؤلفات الآخرين ضوابط وشروط وطرق ووسائل وآليات تمنع التلاعب... فإن كنت ولا بد فاعلاً فلا أقل من نسبة العلوم إلى مؤلفيها والمواد العلمية إلى قائليها!! لذا قال العلماء: ونُصَّ الحديث إلى أهله فإن الأمانة في نصَّه!! وقال صلى الله عليه وسلم: (المُتشبَّع بما لم يُعط كلابس ثوبي زور)!! فلم يكتف صلى الله عليه وسلم بالثوب الواحد.. بل حتى الفكرة والرأي يجب على المرء أن يحترم نفسه في مجال العمل أو الصحافة أو الأسرة والمجتمع... فإذا أردت تأييد فكرة ما تنظر إن كانت لفلان فتقول: أنا أؤيّد فِكر فلان!!، وإذا نجحت الفكرة تقول: هذه فكرة فلان : حتى تشجع الشباب والرجال على طرح أفكارهم ومقترحاتهم، وآرائهم قال تعالى {وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ} فلاحظ هنا قال أشياءهم، وليس أموالهم فقط.... إن على الجهات المسئولة عن سرقة المواد العلمية أن تتبنى فضح وتأديب السارق على رؤوس الأشهاد!! حتى يرتدع، ويكون لِمن خلفه عِبرةً وآية!! لأننا بدأنا نسمع أن هناك كتباً تُسرق بكاملها فقط يقوم (المؤلف) عفواً (السارق) ويقص الاسم والمقدمة، ويغير العنوان.. ويجير الكتاب باسمه هو، ليُقال له صاحب المؤلفات العلمية، وهو صاحب (الكذبات الخداعية)!! أو يقال له فضيلة الشيخ، وهو (فضيحة الشين!!) وهذا ولا شك لاهثٌ للشهرة والمهرة (أي المال)، وهذا والله أعلم داخل في وعيده صلى الله عليه وسلم حين قال: (أول من تُسعر بهم النار ثلاثة وذكر منهم رجل تَّعلم العلم ليُقال عالم!!).. فنسأل الله أن يصلح أعمالنا ونياتنا، ويرزقنا الإخلاص في القول والعمل. قال جمع من العلماء منهم الحَبر الإمام المحدث سفيان الثوري -رضي الله عنه- (تعلمنا العلم لغير الله فأبى إلا أن يكون لله)!! أي قادهم لتقوى الله وخشيته فصلحت نياتهم واستقامت ظواهرهم وبواطنهم. وقد سررنا مؤخراً بصدور الحكم القضائي الذي أنصف المؤلفة د. العضيدان في كتابها (اليأس) وإن كان من شيخ فاضل (فلا ندري أنمسكها على هون أم ندسها في التراب!!!)... إن هذه السرقة المفضوحة إن وقعت على المتوفى فهي جُرم في حقه لقوله صلى الله عليه وسلم (أذكروا محاسن موتاكم) وهذه من محاسنه، ولم يقل (اسرقوا مؤلفات موتاكم!!) وإن كانت في حق الأحياء فهي ظلمات بعضها فوق بعض... لأنها سوف تئدِ المخترعات، وتكبح جماح العلماء والمؤلفات، فلا بد من يد من الحق حاصدة.. تستأصل شأفة هذا الفساد... حتى التجار في مخترعاتهم ومنتجاتهم لا يقبلون أن تؤخذ براءاتهم واختراعاتهم، فضلاً عن سرقة أفكارهم... وإذا كان الله سبحانه وتعالى يقول في حق سارقي الأموال والبضائع وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ !! فمن يسرقون الأفكار والابتكار والمخترعات فهم أحق بقطع لسانهم وبنانهم!! ولله الأمر من قبل ومن بعد... يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ ... وفق الله الجميع... والسلام عليكم. رياض الخبراء - [email protected]