يبدو أن (وحدة) العراق وإيران في دولة واحدة في اتجاه أن تكون قضية الساحة العربية الأولى: أو هكذا تقول المؤشرات الجديدة، لتخرج العراق من محيطها العربي، وتذوب في كيان الفرس تماماً. محمد رضا رحيمي النائب الأول للرئيس الإيراني دعا علناً إلى (اتحاد) بشكل تام بين العراق وإيران لتشكيل (قوة كبيرة على الصعيد العالمي): صرح بذلك عند استقباله رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي في طهران. المالكي لا يعدو أن يكون (عميلاً) للولي الفقيه في بغداد، يأتمر بأمره وينتهي بنهيه. فهو الذي نصبه عندما فازت قائمة علاوي عليه، فضغطت إيران على الأحزاب ذوي التوجه الشيعي للائتلاف معه، ما جعله يحصل على الأغلبية، ويفوز برئاسة الوزراء ثانية والمالكي يعرف أنه بدون الدعم الإيراني سيسقط لا محالة، ولن يفوز برئاسة الحكومة مرة ثالثة كما هو يطمح، فالعراق في فترتي حكمه الأولى والثانية كان بؤرة للفساد الإداري والمالي والمحسوبيات والنهب والمؤامرات غير الأخلاقية على الخصوم، كما أن الخدمات كانت قصارة عن الحد الأدنى لإرضاء المواطن العراقي من دولة نفطية غنية، ناهيك عن التجاذبات السياسية واتجاهها إلى أن تفجر الوضع الداخلي، وتؤدي إلى نزاع مسلح بين أجنحة الحكم وزعماء الطوائف، إضافة إلى أن المالكي لو ترك رئاسة الوزراء، فستفتح ملفات ولايته، ويؤكد المطلعون العراقيون أن هذه الملفات لو فتحت فسينتقل المالكي وكثير من متنفذي عهده من رئاسة الحكومة إلى السجون، فالفساد والسرقات أوضح من أن تستر. إيران تعلم ذلك جيداً، وتعرف أنها لو تخلت عنه فلن يكون له حظ في البقاء، وسيحاكم، وسينتقل هو وأساطين حكمه إلى السجون نظير فساد عصره الذي كاد أن يزكم أنوف العراقيين، غير أن الثمن المطلوب من إيران هذه المرة لإبقاء المالكي في سدة الحكم مختلف عنه في المرة الأولى على ما يبدو، الآن لن يكون الثمن كما هو مطروح أقل من قبول الاندماج مع إيران في دولة واحدة، ليكون العراق الجديد مثل (الأهواز) تماماً، أي بلد محتل من قبل الفرس، هذا ما عناه النائب الأول لرئيس الجمهورية الإيرانية في تصريحه الأخير المثير لعلامات الاستفهام. المالكي كما هو معروف لا يملك أن يقول لأسياده الإيرانيين (لا) إذا طلبوا منه تنفيذ هذا الاندماج، لذلك سيرضخ مرغماً إلى إملاءات الملالي لأنها الطريق الوحيد الذي سيخلصه من المحاسبة على فساده.. وليس بعيداً عن الأمر على ما يبدو تصعيد الإيرانيين لقضية الجزر الإماراتية المحتلة في هذا الوقت بالذات، وكذلك التصعيد في البحرين من قبل الشيعة المحسوبين على إيران، كل ذلك ليكون التخلي عن الجزر المحتلة، والتخلي كذلك عن دعم شيعة البحرين، ثمناً لتمرير احتلال العراق، فهذه بتلك كما هو ديدنهم دائماً. طبعاً قد يكون الأمر لا يعدو أن يكون بالون اختبار إيراني ليس إلا، أو محاولة من إيران لاختلاق مشكلة يتطلب حلها ثمناً يدفع للإيرانيين بعد خسارتهم الفادحة إستراتيجياً في سوريا، وقد يكون - أيضاً - أمراً خطط له منذ أن سلمت أمريكا العراق لإيران بعد إسقاط صدام، وهذا الاحتمال قد يفسر لنا سبب إطلاق الأمريكيين يد إيران في العراق لتتحكم فيه كيف أرادت، وهي الممارسة التي لم يفهم المراقبون كنهها على وجد التحديد، هل هي كانت غباء سياسياً من قبل المحتل الأمريكي آنذاك، أم أمرا متعمدا ومخططا له ومقصودا. موقف أمريكا والغرب من مشروع الاندماج العراقي الإيراني المطروح من قبل الإيرانيين سيضع النقاط على الحروف، وسيجيب على الأسئلة، فالمالكي، وإن كان عميلاً إيرانياً بامتياز، إلا أن موافقة أمريكا على خطوة كهذه الخطوة هي بمثابة الشرط الذي لا يمكن له أن يتجاوزه. إلى اللقاء.