لا يتطلب الأمر خبرة كبيرة بالشئون الكورية الشمالية لنفطن إلى ما وراء الهيستيريا المعادية لكوريا الجنوبية التي تحملها بيونج يانج لها هذه الأيام.. ففي البداية، بدا أن حملة كراهية ضد كوريا الجنوبية هي الوسيلة الأفضل لشحذ ولاء الشعب للقائد الجديد، الذي تولى السلطة فجأة في أعقاب وفاة والده منذ ثلاثة أشهر. فكيم جونج أون كان في قرية بانمونجيوم مؤخرا ليحفز أفراد جيشه في تلك القرية على خط الهدنة ليكونوا «على أقصى درجات الاستعداد والحذر»، ونقل عنه قوله: «إن العدو لن يوقع اتفاقية هدنة ولكن اتفاقية استسلام عندما تندلع حرب جديدة». وفي مسيرة مشتركة ما بين المدنيين والعسكريين في بيونجيانج، تعهد قادة الجيش ب»سحق لي ميونج-باك (الرئيس الكوري الجنوبي) وعصابته من الخونة في ضربة واحدة». تلك الحشود الهائلة من مائة وخمسين ألف شخص من أفراد الجيش والمدنيين في الميدان الرئيس ببيونجيانج أثبتت القدرة الكبرى للسلطات في كوريا الشمالية على تنظيم مثل ذلك الحدث بمجرد الإشعار، فيبدو أن قرار حشد تلك التظاهرات قد اتخذ بعدما توصلت كل من بيونجيانج وواشنطن إلى اتفاق مبدئي مع الشماليين من أجل وقف برنامجها النووي مقابل إمداد الولاياتالمتحدة للبلاد بالمساعدات الغذائية، وتلك هي وسيلة بيونجيانج الدبلوماسية لاستفزاز سول كلما يحدث تقارب لبيونج يانج مع واشنطن. يبدو أن المخططين الاستراتيجيين في كوريا الشمالية يريدون أن يحتفظوا دائمًا ببعض السيطرة على الانتخابات التي تجري في كوريا الجنوبية. فترويع الشعب الكوري الجنوبي بتهديده بشن ضربة عسكرية وشيكة يمكن أن يساعد في جمع بعض الأصوات للأحزاب التقدمية التي تحمل مزيدًا من المرونة تجاه الشماليين، فبقاء الحزب المحافظ في السلطة يمكن أن يعني صعوبات مستمرة في الحصول على المساعدات الغذائية من كوريا الجنوبية واستئناف مشاريع التعاون الاقتصادي البيني مع كوريا الشمالية. ولكن هذا الإجراء يمكن أن يؤدي إلى نتائج عكسية، حيث يمكن للحكومة الجنوبية الحالية أن تستخدم تلك «الرياح الشمالية» لمصلحتها. إن حملة العنف اللفظي تلك سوف تتوقف في وقت ما، ولكن يجب على سيوول أن تظل مستعدة لاحتمالية تطور تلك الهيستيريا إلى جنون، مما يمكن أن يحول التهديد إلى فعل في يوم من الأيام. * افتتاحية «كوريا هيرالد» الكورية الجنوبية