أزمة العمالة المنزلية طالت شهورها وأتعبتنا، بعد أن تراكمت أسبابها ونتائجها، واليوم نعاني من ندرة هذه العمالة خاصة الخادمات على ضوء إيقاف الاستقدام من إندونيسيا والفلبين بعد وضعهما شروطا غير مقبولة وتميل كل الميل لعمالتها على حساب المواطن وخصوصية أسرته وبما يخالف الأنظمة، وفي نفس الوقت مطلوب التأكيد على أهمية التزام الأسرة بحقوق العمالة وضمانها من حيث ساعات العمل وعدم تأخير الراتب وحسن المعاملة، وهي قيم يحث عليها ديننا الحنيف وتؤكد عليها أنظمة العمل في المملكة. إن الضغوط على سوق العمالة المنزلية باتت حالة مستعصية نتيجة للخلل الشديد بين العرض المتناقص والطلب الكبير، فزادت حالات الهروب وما يسببه من خسائر فادحة على الأسرة، كما ارتفعت الأجور أضعافاً مضاعفة ومن لا يعجبه يشرب من البحر أو يدق رأسه في الجدار، وعليه أن يصبر أو يلجأ مضطراً إلى السوق السوداء التي يقوم عليها سماسرة من جنسيات تلك العمالة يرتبون سبل تهريب وتشغيل هذه العمالة، والمواطن هو الضحية، ولا ندري إلى متى يستمر هذا الحال؟ لقد أثار الأستاذ حمد بن عبدالله القاضي عضو مجلس الشورى هذا الموضوع في مقاله ب(الجزيرة) الغراء يوم السبت الماضي في زاويته بعنوان (اللي نبيه عيا البخت لا يجيبه) وقد تناول عمق المشكلة وجذورها وفروعها بإيجاز هادف كعادته في تناول كل قضية يطرحها بقلم الصدق والموضوعية، وحكمته في ذلك (خير الكلام ما قل ودل) حيث أشار إلى أن عدم توفر هذه العمالة له أسباب كثير بدءاً من بعض المواطنين الذين يسيئون إليها ولا يعطون هذه العمالة حقوقها، ومروراً بالجهات المسؤولة عن العمالة في تلك الدول والتي وضعت شروطاً محددة لمجيء عمالتها. وهنا أؤيد ما طالب به أستاذنا القاضي وزارة العمل من ضرورة التحرك العاجل للتباحث مع الجهات المسؤولة عن العمالة في تلك الدول سواء كانت حكومية أو أهلية لإنهاء المشاكل العالقة بين الطرفين. إن أوضاع سوق العمالة اليوم القائم في معظمها على الاستئجار مما رفع بعض الأجور شهريا بطريقة تعكس الاستغلال لأوضاع السوق في ظل هذا التعقيد خاصة في حال لجوء البعض إلى السوق السوداء التي أصبحت تجارة رابحة لهذه العمالة والسماسرة، وهذا هو الواقع المؤسف نتيجة لإدراك هؤلاء بأن حالة الطلب على الخادمات من الداخل عالية بسبب إيقاف الاستقدام من إندونيسيا والفلبين حتى يجد جديد. ولا شك أن المشكلة في وضعها الحالي ليست وليدة اليوم وإنما بدأت منذ عقود عندما كان الاستقدام في مسارات محددة صوب هاتين الدولتين وتوقفنا عن الطلب من الأسواق الواسعة مما جعل إندونيسيا والفلبين تشعران بأنهما يملكان ورقة ضغط من حيث الشروط التي نعرفها جميعا وبعضها ممكن تسويته وبعضها غير مقبول، والنتيجة واقع غير مستقر ولا طبيعي لسوق العمالة المنزلية وقفزات جنونية في التكلفة الإجمالية للاستقدام وتكلفة التشغيل، في الوقت الذي لم يتم التعويض بالعدد الكافي من العمالة المنزلية من دول أخرى مثل إثيوبيا والهند وكينيا وغيرها، وهي دول لم تعرف مجتمعاتها ثقافة العمالة المنزلية بالدرجة الواسعة، بعكس الحال مع إندونيسيا والفلبين، وهذه الثقافة مهمة وضرورية لضمان التوافق السريع بين العمالة المنزلية والأسرة، بنفس قدر أهمية ثقافة الأسرة بحقوق عمالتها، لكن ما باليد حيلة حتى تنتهي أسباب هذا الخلل الذي يحتاج إلى حلول عاجلة وضوابط مشددة. إن المواطن اليوم يتحمل الكثير جراء هذا الواقع السلبي في سوق العمالة المنزلية عندما يجد نفسه أمام خيارات صعبة في التكلفة المتزايدة للاستقدام أو في حالة الهروب من جانب الخادمة، بل وصل الأمر إلى درجة أن بعض المواطنين يعرض مبالغ أعلى من تكاليف الاستقدام للحصول على عاملة منزلية عن طريق التنازل من كفيلها. ولذلك يظل الاستغلال وغياب التنظيم وضعف العقوبات الرادعة للمخالفات هي السمة الحاضرة في السوق، وأصبح المواطن هو الطرف الأضعف الذي يتحمل فاتورة الاستقدام إن تيسر له ذلك. نتمنى أن نخرج من هذه الأزمة في أقرب وقت يا وزارة العمل رحمة للمواطن واستقرار لهذا القطاع المهم، ونتمنى أن نرى نتائج ملموسة لنشاط وخدمات مكاتب الاستقدام وتغطي احتياجات سوق العمالة المنزلية، وأن يعود التوازن له لمصلحة جميع الأطراف وتنتهي بإذن الله المتاعب ويتوقف نزيف أموال الأسر جراء هذا الواقع. والله الموفق.