ليس مواجهة الأخطار الخارجية والتهديدات التي تتواصل للمساس بأمن واستقرار دول الخليج فحسب هي التي تدعو إلى سرعة انتقال منظومة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية من التعاون إلى الاتحاد، بل أيضاً هناك العديد من الأسباب التي تدعم ما دعا إليه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في افتتاح قمة مجلس التعاون الثانية والثلاثين التي عقدت في الرياض الشهر الماضي. فبالإضافة إلى أهمية التعاون الجدي والعملي والعلمي مع المتغيرات الإقليمية والتحولات البنيوية، هناك ضروريات ملحة تستوجب الانتقال إلى الوحدة الخليجية لمعالجة الكثير من السلبيات وسد الثغرات. فدول الخليج العربي التي تشكِّل أقليماً متجاساً تتعرض لتأثيرات حتى من داخل الإقليم نفسه، ومن أهمها الخلل الواضح في التركيبة السكانية التي يتعدى تأثيرها السلبي على الهوية الثقافية والثوابت الوطنية إلى المس وتهديد مستقبل الوجود العربي ذاته في الإقليم. بعيداً عن بريق الثراء والبحبوحة وعن المشهد الخارجي المبهر، فإن الصورة من الداخل تثير القلق، بل الريبة، فالشوارع تعج بكل الجنسيات إلا المواطنين. أمس الجمعة مناسبة لكل من يريد أن يرصد التجمعات التقليدية، والشوارع تعج بكل الجنسيات، الأغلبية الهندية والبنغالية والباكستانية والفلبينية والأفريقية والإيرانية، تشعر وأنت تعيش بين هذا الكم الهائل من الوجود الآسيوي أنك غريب في وطنك. في كثير من دول الخليج العربي لا تسمع اللغة العربية، بل اللغة الهندية، والحديث في بعض التجمعات بالفارسية والفلبينية. ولكي تستطيع أن تتفاهم مع هذا الخليط تلجأ إلى الإنجليزية حتى تتعايش في بلد أهله عرب...!! هذه إحدى أخطر القنابل التي تواجه إقليم الخليج العربي الذي يكاد يتحول إلى خليج هندي أو بنغالي بنكهة فارسية. تبين الإحصائيات الرسمية وشبه الرسمية لعامي 2006 و2007م والتي لابد أن حصل عليها تغيُّر زيادةً أو نقصاناً في بعض الدول التي ضبطت أنظمة العمل والاستقدام، أن نسبة العمالة الوافدة الأجنبية في الكويت 60%، والبحرين 50%، والسعودية 30%، وعمان 30%، أما في قطر فالنسبة تصل إلى 80% وفي دولة الإمارات 90%. في الإمارات قرابة الستة ملايين آسيوي منهم 60% من الهنود، أي أكثر من ثلاثة ملايين مقابل 800 ألف مواطن إماراتي فقط. هذا نموذج، وقريب منه في قطر، ولا يبعد كثيراً الوضع في الكويت، وإن تقاسم الوافدون الآسيويون في البحرين النسبة مع المواطنين فقد وصلوا إلى نسبة الثلث في السعودية وعمان. طبعاً الزيادة حاصلة في ظل عدم وجود سياسة استقدام موحدة لدول الخليج العربي، فكل دولة لها أنظمتها التي إن لم تحسن معالجة هذه القضية الخطيرة فسوف تصبح المسألة إلى حالة استيطان آسيوي يفرض وضعاً لا يمكن أن تعالجه كل دولة بمفردها. أذن أحد مكاسب الدولة الواحدة لإقليم الخليج العربي أن يحافظ الإقليم على هويته العريبة بل انتمائه العربي، فدولة الاتحاد وبتنسيق وعمل نظام استقدام موحد يعتمد على الجنسية العربية لإحلال العرب محل الآسيويين حتى تبقي الخليج عربياً، خصوصاً وأن العمالة الآسيوية التي أغرقت دول الخليج بها لا تتفوق مهارياً ولا فنياً على العمالة العربية، إلا في تغيب قيمنا الإسلامية والعربية.