أمي الحبيبة، أكتب إليك في ذكراك الأولى، فلو بكيتك عمري كله ما كفاني هذا، ولو أحبني أهل الأرض كلهم ما أحبني أحد مثلما أحببتني.. كنت نعم الأم والأخت لكل من كان يعرفك.. كان الكبير والصغير يحبك لحنوك وطيبتك، التي كان الجميع يؤكد أنها ليست في زمننا هذا.. لقد احتسبتك عند الله الذي أسأله أن يجمعني بك يوم القيامة في أعلى عليين مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.. لقد فوجئت بعد رحيلك المؤلم بالناس يأتون إلينا يتكلمون عن أخلاقك وطيبتك وحسن تعاملك مع الناس في كل مكان. سيدتي الحبيبة، أحتسبك من أهل الجنة؛ فأنت أُمّ صالحة، وقد وفيت وأديت الأمانة وأرضيت كل من كان حولك، وكنت صوامة قوامة تالية لكتاب الله والأذكار.. ولكن في قلبي لوعة عليك.. أضحك كثيراً لكنني أعرف أنني لن أسعد مرة أخرى في حياتي سعادة كاملة. أمي، إنني أبكيك كثيراً، وقلبي ينفطر من الحزن والشوق إليك وإلى حضنك الدافئ.. وأجدني أقول كما قال الشاعر: آه «يا أمي» وأشواك الأسى تلهب الأوجاع في قلبي المذاب فيك ودعت شبابي والصبا وانطوت خلفي حلاوات التصابي كيف أنساك وذكراك على سفر آياتي كتاب في كتاب إن ذكراك ورائي وعلى وجهتي حيث مجيئي وذهابي كم تذكرت يديك وهما في يدي أو في طعامي وشرابي كان يضنيك نحولي وإذا مسني البرد فزنداك ثيابي وإذا أبكاني الجوع ولم تملكي شيئاً سوى الوعد الكذاب هدهدت كفاك رأسي مثلما هدهد الفجر رياحين الروابي كم هدتني يدك السمر إلى حقلنا في (الغول) في (قاع الرحاب) وإلى الوادي إلى الظل إلى حيث يلقى الروض أنفاس الملاب وسواقي النهر تلقي لحنها ذائباً كاللطف في حلو العتاب كم تمنينا وكم دللتني تحت صمت الليل والشهب الحوابي كم بكت عيناك لما رأتا بصري يطفأ ويطوى في الحجاب وتذكرت مصيري والجوى بين جنبيك جراح في التهاب ها أنا يا أمي اليوم فتى طائر الصيت بعيد في الشهاب أملأ التاريخ لحناً وصدى وتغني في ربا الخلد ربابي فاسمعي يا أم صوتي وارقصي من وراء القبر كالحور الكعاب ها أنا يا أم أرثيك وفي شجو هذا الشعر شجوي وانتحابي أكتب اليوم إلى القراء لأوصيهم بأمهاتهم، وأذكرهم بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم لما صعد المنبر فقال: آمين آمين آمين. قيل يا رسول الله علام آمين؟ قال: أتاني جبريل فقال: يا محمد رغم أنف رجل ذُكرت عنده فلم يصل عليك، قل: آمين، فقلت آمين، ثم قال: رغم أنف رجل دخل عليه شهر رمضان ثم خرج فلم يغفر له، قل: آمين، فقلت آمين، ثم قال: رغم أنف رجل أدرك والديه أو أحدهما فلم يدخلاه الجنة: قل آمين، فقلت آمين. * إعلامي وكاتب صحفي