ربما أتجاوز في قراءة قرار خادم الحرمين الملك عبدالله بن عبدالعزيز اختيار الأمير نايف بن عبدالعزيز ولياً للعهد نائباً لرئيس مجلس الوزراء وزيراً للداخلية إلى نقطة أبعد من الشأن الداخلي؛ حيث عكست عملية الاختيار السلسة والمرنة بُعد نظر الملك عبدالله من جهة، وما تتمتع به المملكة من استقرار سياسي حقيقي بشكل لا يقبل النقاش من جهة أخرى، في وقت تضطرب فيه الدول الأخرى من حولنا، وتموج بأحداث حبلى بالمفاجآت. فوجود قيادي في حجم نايف بن عبدالعزيز في منصب ولاية العهد ووزارة الداخلية كفيل بإرسال أكثر من رسالة اطمئنان داخلية وخارجية. ما يتعلق بالأمر الداخلي هو - بلا شك - بقاء تميز الملف الأمني، ووأد كل محاولات التسلل أو إثارة الفتن في الداخل السعودي؛ ما يعني بطريقة واضحة أن الحسم والصرامة وعدم التهاون في هذا الجانب قائم وسيظل، للحد الذي يمكن اعتباره سياسة راسخة تنتهجها المملكة، تجاه كل ما يعرض أمنها وأمن مواطنيها أو المقيمين بها للخطر والتهديد. خارجياً هو ما عبَّر عنه صراحة الرئيس الأمريكي باراك أوباما حينما نقل في بيان للبيت الأبيض تعليقاً على خبر اختيار الأمير نايف بن عبدالعزيز ولياً للعهد بأن الأمير نايف هو داعم حقيقي للأمن والاستقرار في منطقة الخليج، وهي عبارة تحمل دلالات عدة أكدتها واشنطن بالقول إنها تعرف التزامه بمكافحة الإرهاب، ودعم الاستقرار. نايف بن عبدالعزيز، ومن قبل ولايته للعهد، ممسك بأهم ملفات المملكة، وهو الملف الأمني، الذي لولاه - بعد الله - ما تحقق أي استقرار، ولما لمسنا أي نوع من الأمان، خاصة أن محاولات إثارة مشاكل وفتن في الداخل السعودي تتبناها دول عدة في المنطقة، تسعى بكل ما تملك من أدوات وأوراق إلى إقحام المملكة في أتون صراعات، واضطرابات، وأدها بفضل من الله ثم بتوجيهات من خادم الحرمين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وقيادات الداخلية الذين يعملون في صمت باحترافية مرتفعة، دونما استعراض أو محاولة إبراز ما يقومون به من دور كبير في هذا الجانب. والمتأمل في خطاب ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية الأمير نايف بن عبدالعزيز، الذي أدلى به عقب مبايعته من أمراء وشيوخ وقبائل المملكة، يتلمس نقاط تعكس بوضوح سياسته واستراتيجيته الإنسانية والعملية، فقد بدا من شفافية الخطاب حجم المخزون الإنساني الكبير الذي يكنه لقيادة هذه البلاد ولشعبها، والذي عبَّر عنه بوضوح بقوله: «مع إحساسي وشعوري بالثقة التي منحني إياها سيدي خادم الحرمين الشريفين بولاية العهد، إضافة إلى الشكر لمقامه الكريم على اختياري وعلى ثقته، إلا أنني اعتبرتها تكليفاً وتشريفاً في الوقت نفسه، واعتبرتها وساماً على صدري، ولكني في الوقت نفسه أحسست بالمسؤولية فاتجهت بقلبي وبكل حواسي إلى الخالق - عزّ وجلّ - أطلب منه العون والتوفيق والسداد، ثم بعد ذلك ما لمسته من إخواني أبناء الملك عبدالعزيز وذريته ومن كل أفراد العائلة المالكة ومن أصحاب الفضيلة العلماء، وعلى رأسهم المفتي، ومن المواطنين جميعاً، لا شك أن هذا يسر الإنسان، ولكنه يشعره بالمسؤولية الكبيرة نحو هؤلاء الرجال، ونحو هذا الوطن برجاله ونسائه، والمسؤولية الكبيرة التي يجب أن نتحملها تحت توجيهات قائدنا وولي أمرنا سيدي الملك عبد الله بن عبد العزيز». هذه الكلمات رغم ما تضمنته من مخزون إنساني كبير إلا أنها اختصرت داخلها سنوات من العمل والكفاح، بذلها نايف بن عبدالعزيز، وتلمس مردودها كل مواطني المملكة والمقيمين على أرضها، وانعكست أمناً على الشارع السعودي، في وقت كان يتخطف فيه الناس من حولنا، وتنهار دول، وتتصارع تيارات، وتتمزق مجتمعات، ومع ذلك لم يتسرب حتى مجرد الشعور بعدم الأمن إلى نفس السعوديين، ولم يشعروا للحظة أن ثمة خطراً يتهددهم في الخارج، ولم تتوتر الأجهزة الأمنية أو تفرض - كما هو حاصل في بلدان أخرى - قوانين للطوارئ أو قوانين من شأنها أن تحد من حرية المواطنين والمقيمين، مع أن نظرة خاطفة على الحدود المحيطة بالمملكة، سواء من جهة اليمن، العراق، إيران، البحرين، وما يشوبها من توترات، كفيلة بإصابة أقوى الأجهزة الأمنية العالمية بالرعب والارتباك، وهو ما نجحت في تجاوزه أجهزة الأمن، التي قادها نايف بن عبدالعزيز بسلاسة وهدوء واطمئنان بأن ثمة شعباً وقيادة رشيدة تدعمه. إن تاريخ ولي العهد وسيرته العطرة ودوره الكبير في حفظ الأمن تحت قيادة أخيه خادم الحرمين الملك عبدالله بن عبدالعزيز لا ينساه الشعب السعودي، ولا يمكن أن يتجاوزه، وهو يستقبل الأمير نايف مهللاً رغم فداحة مصابه وشعوره بالحزن والأسى لوفاة شقيقه الأمير سلطان بن عبدالعزيز رحمه الله.