لا شك أنَّ الصداقة مطلبٌ مهمٌ في العلاقات الإنسانية، والصداقة هي أعلى درجات العلاقات الخاصة بين اثنين أو أكثر، وهي من أعلى درجات الخصوصية في العلاقة التي تجمع بين طرفين أو أكثر. والصداقة هي دائماً تكون علاقة إيجابية بين طرفين، ولا تأتي مباشرة بينهما بل هي نتيجة إيجابية لمستوى متقدم لهذه العلاقة، وبالتالي هي تحول لعلاقة قوية مرَّت بفترة تجربة وممارسة لهذه العلاقات، تمخض عنها الارتياح بين طرفي العلاقة بمستوى متقدم من الثقة والمحبة وتبادل أدوار العلامة وتفاعلاتها لدرجة الثقة والأخوة والقرب النفسي من الآخر. وقد قيل سابقاً الصديق وقت الضيق. وكما هو معروف أن الصداقة ذات شأن عظيم في بناء العلاقات الأخوية والخاصة، فأحياناً تجد أن أحد إخوتك بحكم خصوصية علاقتك به وتقاربك النفسي معه تعتبره أخاً وصديقاً وقريباً منك على بقية إخوتك الآخرين، وهذا بموجب تفاعله معك وقربه بمشاعره وأحاسيسه نحوك، فتنزيد على إخوته لك بأنه صديق. والصديق قد يكون أحياناً أقرب إلى نفسك وفي أوقات الأزمات الشخصية من شقيقك لماذا؟ ليس لأن الصديق سيكون أحرص من شقيقك عليك لكنه قد يكون أقرب من شقيقك لخصوصياتك وأحياناً أسرارك ورغباتك وثقتك، ويعرف ميولك وما لم تستطع إفضاؤه لشقيقك. ولعل أهم ركيزة في الصداقة هي الاحترام والمحبة والتقارب في التفكير والارتياح النفسي، وأي صداقة تبنى على مصالح مشتركة أو مصلحة لطرف لدى طرف فستزول لا محالة بانتهاء المصلحة، أو قد ينتج عنها تباعد وانقطاع لهذه العلاقة وبشكل سلبي لأنها علاقة افتقدت للمحبة والإخلاص والتجانس بين شخصين يرتبطان بعلاقة خاصة. وكثيراً ما نسمع عن علاقات صداقة داخل أفراد الأسرة أو العائلة أو حتى من خارجها بواسطة التعارف أو خلال بيئة العمل، وسرعان ما تنفض هذه العلاقة بعد فترة، وهذا راجع إلى هشاشة هذه العلاقة وضعف جسور بنائها. والصداقة التي تعقب أي علاقة يجب أن تبنى على أسس متينة من الثقة والمحبة ليضمن لها الاستمرار وتتحقق منها الفائدة في بناء الثقة والتكافل بين طرفيها في نوائب الزمان، لأنك قد تجد وقت الأزمات نفسك وحيداً ولا يقف معك غير صديقك الوفي الذي تربطك به علاقة خاصة. ولأن زماننا هذا غني بالمفاجآت فلن تستغرب يوماً أن تُقابَل بالنكران من صديق كنت تحسبه أقرب لك من والدك وأخيك، ولذا قيل ثلاث مستحيلات الغول والعنقاء والخل الوفي.. وهذا لا يعني أن الأصدقاء كلهم مفقودون، لن فقدهم وعدم وفائهم إذا حدث يجرح الإنسان ويدمي قلبه، فيما لو حصل النكران من شخص آخر ليس بصديق فإن وقعه على النفس عادي وغير مستغرب في خضم تعقيدات الحياة القائم في غالبه على المصالح والمجاملات المتنوعة، وكل منا مرّ عليه نموذج أثر في نفسه وجعله يراجع علاقاته ويفلتر أصدقاءه ليعزز من علاقته مع الصالحين منهم ويترك الطالحين. ولذا أقول (صادق صديقاً صادقاً في صدقه، فخير الصداقة في صديق صادق). فالصداقة للإنسان كالنبات للأرض يزينها ويكسوها جمالاً، فإذا لم يسق بالماء أصفرَّ وصار هشيماً تذروه الرياح. والله المستعان. شقراء