في الخمسينات، كان عدد سكان المدن في البلدان المتقدمة يزيد على 155 مليون نسمة عن عدد سكان المدن في البلدان النامية. وفي السبعينات أصبح الفارق 30 مليونا فقط، ومنذ ذلك التاريخ شهدت البلدان النامية موجة هجرة لم يسبق لها مثيل من المناطق الريفية إلى المدن، ونتيجة لذلك تضاعف عدد سكان المدن خمسة أو حتى ستة أضعاف. وبنهاية القرن الماضي عاش حوالي نصف سكان العالم في بيئة حضرية وارتفع عدد سكان المدن في العالم النامي ليصل إلى 1.9 مليار نسمة، أي ضعف مجموع سكان المدن في البلدان المتقدمة، وفي الوقت نفسه فإن سكان الريف الذين اقترب عددهم في ذلك الوقت من 3 مليارات نسمة استمروا في هجرتهم المتصلة والمتواصلة إلى المدن الكبرى.لقد اهتم العلماء الاقتصاديون والاجتماعيون منذ رمن طويل بمسألة ما إذا كان هناك حجم (أمثل) للمدن. حيث يرى بعض الخبراء أن الحد الأقصى الأمثل خاصة فيما يتعلق بالوظائف هو حوالي 500 ألف ساكن، وعندما يصل العدد إلى 2 مليون ساكن يكون قد وصل إلى النقطة الحرجة التي يصبح بعدها المحافظة على مستوى المعيشة العام أكثر صعوبة. بيد أن هذه التقديرات متوسطة فقط، ومن الواضح أن من غير الممكن تحديد حجم أمثل يمكن تطبيقه على كل المدن في كل البلاد، ويكون من الأفضل تحديد هدف هو تحقيق معدلات معقولة للتمدين مع نمو متوسط وتنمية محدودة للمدن الكبيرة العملاقة. إن أزمة التمدين وما تجره وراءها من مشكلات اجتماعية وتقنية واقتصادية، تعوق التقدم الاقتصادي في بلدان العالم الثالث. وباختصار، فإن التنمية الريفية يجب أن تكون جزءاً من التنمية الوطنية بمزيد من التعاون الوثيق بين المجتمعات المحلية والسلطات العامة على أعلى مستوى. ومن ثم فينبغي بذل جهود كبيرة لتقليل التركيز الزائد في البنية الأساسية والأنشطة والخدمات الاقتصادية في المدن والعواصم، وإيجاد صناعات ومناطق متوسطة النشاط لامتصاص قوة العمل في الريف. ولا بد من التعليم والتدريب بالنسبة لسكان الريف، إذا كنا نريد التقليل من البطالة وتباين مستويات الدخل، فهما من أهم أسباب مغادرة الريف وزيادة السكان في المدن.