مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على تباين    مجلس الأمن يدعو إلى وقف دائم لإطلاق النار وعملية سياسية شاملة في السودان    مرصد حقوقي: المجاعة وشيكة في غزة ومليون طفل يعانون سوء تغذية حاد    رسوم ترمب الجمركية ..التصعيد وسيناريوهات التراجع المحتملة    توتنهام يتغلب على أينتراخت فرانكفورت    مجلس الأعمال السعودي الأمريكي يحتفي بمرور 30 عامًا على تأسيسه    قتيلان في إطلاق نار في جامعة في فلوريدا    النفط يسجل زيادة بأكثر من 3 بالمئة    تشيلسي الإنجليزي يتأهل للمربع الذهبي بدوري المؤتمر الأوروبي    ممتاز الطائرة : الأهلي يواجه الاتحاد .. والابتسام يستضيف الهلال    الغزواني يقود منتخب جازان للفوز بالمركز الأول في ماراثون كأس المدير العام للمناطق    نائب وزير الخارجية يستقبل وكيل وزارة الخارجية الإيرانية    في توثيقٍ بصري لفن النورة الجازانية: المهند النعمان يستعيد ذاكرة البيوت القديمة    «تنمية رأس المال البشري».. تمكين المواطن وتعزيز مهاراته    تقاطعات السرديات المحلية والتأثيرات العالمية    هل أنا إعلامي؟!    فرح أنطون والقراءة العلمانية للدين    الاستمرار في السكوت    في إشكالية الظالم والمظلوم    انطلاق مهرجان أفلام السعودية في نسخته ال11 بمركز إثراء    حتى لا تودي بك تربية الأطفال إلى التهلكة    موعد مباراة الهلال القادمة بعد الفوز على الخليج    ضبط إثيوبيين في عسير لتهريبهما (44,800) قرص خاضع لتنظيم التداول الطبي    وزير الدفاع يلتقي أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني    غدًا.. انطلاق التجارب الحرة لجائزة السعودية الكبرى stc للفورمولا 1 لموسم 2025    القبض على إندونيسي ارتكب عمليات نصب واحتيال بنشره إعلانات حملات حج وهمية ومضللة    أمير القصيم يستقبل مدير فرع الشؤون الإسلامية    نائب أمير منطقة جازان يطّلع على تقرير "الميز التنافسية" للمنطقة لعام 2024    نائب أمير منطقة جازان يضع حجر أساسٍ ل 42 مشروعًا تنمويًا    عبدالعزيز المغترف رئيساً للجنة الوطنية لمصانع الابواب والألمنيوم في اتحاد الغرف السعودية    نائب أمير جازان يرأس الاجتماع الرابع للجنة الإشرافية للأمن السيبراني    أمير القصيم يستقبل منسوبي تجمع القصيم الصحي ويطّلع على التقرير السنوي    معرض اليوم الخليجي للمدن الصحية بالشماسية يشهد حضورا كبيراً    24 ألف مستفيد من خدمات مستشفى الأسياح خلال الربع الأول من 2025    تجمع القصيم الصحي يدشّن خدمة الغسيل الكلوي المستمر (CRRT)    تخريج الدفعة ال22 من طلاب "كاساو" برعاية نائب وزير الحرس الوطني    بتوجيه من القيادة.. وزير الدفاع يصل العاصمة الإيرانية طهران في زيارة رسمية    جامعة الإمام عبدالرحمن وتحفيظ الشرقية يوقعان مذكرة تفاهم    مشاركة كبيرة من عمداء وأمناء المدن الرياض تستضيف أول منتدى لحوار المدن العربية والأوروبية    قطاع ومستشفى تنومة يُنفّذ فعالية "التوعية بشلل الرعاش"    وفاة محمد الفايز.. أول وزير للخدمة المدنية    سهرة فنية في «أوتار الطرب»    مجلس «شموخ وطن» يحتفي بسلامة الغبيشي    زخة شهب القيثارات تضيء سماء أبريل    يوم الأسير الفلسطيني.. قهرٌ خلف القضبان وتعذيب بلا سقف.. 16400 اعتقال و63 شهيدا بسجون الاحتلال منذ بدء العدوان    معركة الفاشر تقترب وسط تحذيرات من تفاقم الكارثة الإنسانية.. الجيش يتقدم ميدانيا وحكومة حميدتي الموازية تواجه العزلة    5 جهات حكومية تناقش تعزيز الارتقاء بخدمات ضيوف الرحمن    الاتحاد الأوروبي يشدد قيود التأشيرات على نهج ترامب    الأمير سعود بن جلوي يرأس اجتماع المجلس المحلي لتنمية وتطوير جدة    القيادة تعزي ملك ماليزيا في وفاة رئيس الوزراء الأسبق    أنور يعقد قرانه    "التعليم" تستعرض 48 تجربة مميزة في مدارس الأحساء    قيود أمريكية تفرض 5.5 مليارات دولار على NVIDIA    حرب الرسوم الجمركية تهدد بتباطؤ الاقتصاد العالمي    مؤسسة تطوير دارين وتاروت تعقد اجتماعها الثاني    قوات الدعم السريع تعلن حكومة موازية وسط مخاوف دولية من التقسيم    رُهاب الكُتب    سمو أمير منطقة الباحة يتسلّم تقرير أعمال الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



*عرض/ حنان بنت عبدالعزيز بن سيف
النقد الأدبي أصوله ومناهجه


*تأليف : سيد قطب,.
يقع الكتاب في مائتين وسبع وعشرين ورقة من القطع الكبير، وهو من اصدار دار الشروق الكائنة بمدينتي بيروت والقاهرة حرسهما الله، وهو يبحث في مادة النقد الادبي، ووظيفته التي تتلخص في تقويم العمل الادبي من الناحية الفنية، وبيان قيمته الموضوعية، وقيمه التعبيرية والشعورية، ثم تعيين مكانه في خط سير الأدب،وما اضافه الى التراث الادبي ثم العالم الادبي كله، ويبدأ الكتاب بإهداء مخلص الى الامام عبدالقاهر الذي يعتبر اول ناقد عربي اقام النقد الادبي على اسس علمية نظرية، ثم مقدمة المؤلف التي اوضح فيها كما مرّ بك سابقا وظيفة النقد الأدبي وغايته، ثم شرح خطة الكتاب الذي ينقسم بطبيعة مباحثه الى قمسين: الاول: وقد حاول فيه المؤلف رحمه الله تعالى ان يضع اصول النقد وقواعده، والثاني: حاول فيه وصف مناهج النقد في القديم والحديث، والحق ان الاولى في ترتيب قسمي الكتاب هو العكس، وقد فطن سيد قطب الى هذا حيث قال ,,, في الواقع اردت ان اكون في الاول ناقدا تطبيقيا الى حد كبير، ناقدا يضع الاصول ويطبقها، ويبين القواعد ويختبرها، حتى اذا وصلت بالقارئ الى القسم الثاني، وهو قسم وصفي نظري، كان القسم الاول نموذجا محسوسا للنظريات المجردة، وتطبيقا عمليا للنماهج المقررة، وأهم الجزئيات الموضوعية التي طرقها المؤلف في قسمه الاول هي: ماهية العمل الادبي، وغاية العمل الادبي، والقيم الشعورية والتعبيرية في العمل الادبي، ثم فنونه المتنوعة، واما جزئيات القسم الثاني من الكتاب فهي الحديث عن مناهج النقد الاربعة: الفني فالتاريخي فالنفسي ثم اخيرا المتكامل، ولم يتطرق المؤلف الى مناهج اخرى اجنبية عن النقد العربي، وذلك لأن لها ظروفها الطبيعية والتاريخية.
ثم بدأ المؤلف بعد هذه المقدمة في مضمون الكتاب، وبدأ في عرض مباحثه، بأسلوب أدبي عال رائق، يستهويك، ويستحوذ على اعجابك، ثم يرضي ذائقتك الأدبية، ويتنقل بك بين موضوعات كتابه، فتأتيك مباحثه في حلل سندسية استبرقية، تتهادى امامك في احسن صورة، فلا تدري كيف تفاضل بينها، او ترجح احداها على الاخرى، وحول موضوع العمل الادبي الذي هو المقدمة الطبيعية للحديث عن النقد، جاء تعريفه كالآتي هو التعبير عن تجربة شعورية في صورة موحية ، ثم عرف المؤلف التعريف، فكلمة تعبير تصور طبيعة العمل ونوعه، وتجربة شعورية تبين مادته وموضوعه، وصور موحية تحدد شرطه وغايته، وغاية هذا العمل الادبي ليست في مدنا بالحقائق العقلية، او القضايا الفلسفية، فالادب ليس مكلفا ان يتحدث مثلا عن صراع الطبقات، او النهضات الصناعية، او يتحول الى خطب وعظية، او يصور الكفاح السياسي والاجتماعي، الادب ليس مطلوبا منه هذا، ولا جزءا من هذا، ولكن متى تصبح هذه الامور من غاية العمل الادبي، حينئذ يقول سيد قطب: ذلك إلا أن يصبح احد هذه الموضوعات تجربة شعورية خاصة للأديب، تنفعل بها نفسه من داخلها، فيعبر عنها تعبيرا موحيا مؤثرا ، ثم ما يلبث ان يقنع نفسه وقارئه أكثر، حين يتساءل:,, ولكن إذا كانت غاية العمل الادبي هي مجرد التعبير عن تجربة شعورية تعبيرا موحيا مثيرا للانفعال في نفوس الآخرين، فهل تراه يستحق من الانسانية ان تشغل به نفسها فترات من هذه الحياة المحدودة الايام؟ ومن ثم يجيب: ان نعم، فليس بالقليل ان يضيف الفرد الفاني المحدود الآفاق الى حياته صورا من الكون والحياة، كما تبدو في نفس إنسان ملهم ممتاز هو الاديب، وكل لحظة يمضيها القارئ المتذوق مع أديب عظيم، هي رحلة في عالم، تطول او تقصر ، ولكنها رحلة في كوكب متفرد الخصائص، متميز السمات، ويتخطى سيد قطب الناس مصاحبا شعراء ثلاثة في عوالمهم الخاصة بهم، الاول: طاغور وعالمه راض سلح، والثاني: الخيام وعالمه يائس حائر، والثالث: توماس هاردي وعالمه يائس من الخير في الدينا،، ساحر بخداع العواطف والمشاعر.
وتحت عنوان القيم الشعورية والقيم التعبيرية في العمل الأدبي، نجد ان العمل الأدبي وحدة مؤلفة من الشعور والتعبير، ومن هنا نجد صعوبة مادية في تقسيمه الى عناصر لفظ ومعنى، او شعور وتعبير، فالقيم الشعورية والقيم التعبيرية كلتاهما وحدة لا انفصام لها في العمل الادبي وليست بالتالي الصورة التعبيرية إلا ثمرة للانفعال بالتجربة الشعورية وقد اسهب المؤلف في حديثه عن القيم الشعورية، وساق امثلة شعرية للمتنبي وابن الرومي والمعري وخلص الى ان شعراء العربية في الغالب يصورون لنا فلسفتهم الشعورية في قواعد فكرية، ويصوغونها كقواعد في أبيات قليلة، واما وحدة العمل الادبي الثانية وهي القيم التعبيرية، فالنقد لا يتعلق بالتجربة الشعورية الا حين تأخذ صورتها اللفظية، وذلك لأن الوصول اليها قبل ظهورها في هذه الصورة محال، ولأن الحكم عليها لا يتأتى إلا باستعراض الصورة اللفظية التي وردت فيها، وبيان ما تنقله هذه الصورة الينا من حقائق ومشاعر، ثم يسوق أمثلة على توضيح ما يريد إفهمامه للقارئ حول موضوع القيم التعبيرية من كتابه التصوير الفني في القرآن ، ثم يطرق مبحث فنون العمل الادبي، والعمل الادبي فنونه شتى ، فهناك الشعر الذي يعتبر أول هذه الفنون ظهورا، واقدمها تاريخا، وهو متميز في الأدب العربي من ناحية طبيعته عن النثر بحكم ظهور الايقاع الموسيقي المقسم، وبحكم القافية، ثم الاهم وهو الروح الشعرية التي قد توجد في بعض فنون النثر، فتكاد تحيله شعرا، وهذه الروح الشعرية هي الاحساس بما هو ارفع أو أوقى على العموم من الحياة العادية، ايا كان لون هذا الاحساس روحيا او حسيا، وهي التي بالتالي تستعدي التعبير الشعري، وثاني هذه الفنون هو القصة والأقصوصة، فالشعر تعبير عن لحظات خاصة في الحياة، والقصة هي التعبير عن الحياة بتفصيلاتها وجزئياتها كما تمر في الزمن، بفارق واحد بينهما، وهو ان الحياة لا تبدأ من نقطة معينة، ولا تنتهي الى نقطة معينة، اما القصة فتبدأ وتنتهي في حدود زمنية معينة، وتتناول حادثة او طائفة من الحوادث بين دفتي هذه الحدود، والقصة ايضا ليست هي مجرد الحوادث والشخصيات، إنما هي قبل ذلك الاسلوب الفني، أو طريقة العرض التي ترتب الحوادث في مواضعها، وتحرك الشخصيات في مجالها، بحيث يشعر القارئ ان هذه حياة حقيقية تجري، وحوادث حقيقية تقع وشخصيات حقيقية تعيش، واما الاقصوصة فيرى المؤلف انها شيء آخر غير القصة، ويرى ان تسميتها بالقصة القصيرة هكذا Short Story توجد شيئا من اللبس، والاختلاف بين القصة والاقصوصة لا يقف عند الحجم بل يتعداه الى الطبيعة والمجال، فالقصة تعالج فترة من الحياة بكل ملابساتها وجزئياتها وتشابكها، وتصور شخصية واحدة او عدة شخصيات في محيط واسع في الحياة، ويجوز ان تصف مولد هذه الشخصية، وكل ما احاط به، اما الاقصوصة فتدور على محور واحد، وفي خط سير واحد، ولا تشمل من حياة اشخاصها الا فترة محدودة، او حادثة خاصة، او حالة شعورية معينة، والقصة لا بد لها من بدء ونهاية للحوادث، اما الاقصوصة فلا يشترط فيها هذا,, والفن الادبي الثالث هو التمثيلية، فإذا كان في ميسور القصة تصوير الحياة في فترة من فتراتها بكل جزئياتها وملابساتها غير مقيدة بقيد معها بهذا القيد دون ان تتمتع بالحرية التي تتمتع بها في الجوانب الاخرى، فهي اولا مقيدة بزمن محدود، وهو زمن التمثيل، ثم ثانيا بطريقة تعبير معينة وهي الحوار، ثم ثالثا بقيود المسرح والممثل والنظارة، وبين الموهبتين القصصية والتمثيلية اختلاف، فالموهبة في القصة تصوير وتسلسل واستطراد، والموهبة في التمثيلية تنسيق وتقطيع وحركة، وموضوعات التمثيلية هي الموضوعات الواقعية على وجه الاجمال، فمجالها هو الارض، وحركتها انسانية,, محسوسة على قدر الإمكان، ومن خلال حديث المؤلف عن التمثيلية اشار إشارة مهمة الى التمثيلية الرمزية، والتي لم يكتب لها النجاح لأنها اخلت بشرطين اساسيين في التمثيلية وهما الواقعية والحركة،و ألمح المؤلف بناء على هذه النقطة الى إخفاق تمثيليات توفيق الحكيم في مصر، وسبب الاخفاق لا يعود إلى الاخراج والتمثيل، بل مرجعه الى خروجها عن ميدانها الطبيعي، وعدم اتساقها مع الأدوات الميسرة للتعبير في التثميلية، ثم انتقل المؤلف الى الفن الرابع من فنون الادب وهو الترجمة والسيرة، وفن التراجم الشخصية فن حديث من فنون الأدب، انفصل عن علم التاريخ، ودخل عالم الادب، واشترط سيد قطب في التراجم الأدبية عنصرين أساسيين وهما: التجربة الشعورية، العبارة الموحية عن هذه التجربة، واذا ما خلت الترجمة من هذين العنصرين، او من احدهما، استحالت سيرة او تاريخا بعيدا عن عالم الادب، واستعرض المؤلف تحت هذا المبحث نماذج عدة للتراجم، كطريقة العقاد، وطريقة هيكل، ثم شفيق غربال، مع الاشارة الى طريقة طه حسين، وميخائيل نعيمة، وآخر هذه الفنون الادبية هو فن الخاطرة والمقالة والبحث، فالخاطرة في النثر تقابل القصيدة الغنائية في الشعر، وتؤدي وظيفتها في عرض التجارب الشعورية التي تناسبها.
أما المقالة فيقول المؤلف: فلها شأن آخر، إنها تشرح فكرة وتجمع لها الأسانيد، وتعتاض عن اللفظ المصور باللفظ المجرد، وتغني فيها المعاني المجردة عن الصور والظلال في معظم الأحوال .
ويضيف ايضا بأن مثل المقالة مثل سائر ما يكتب من بحوث قصيرة تتناول مسألة واحدة، من مسائل مختلفة، كالسياسة مثلا او الاجتماعية او الفلسفية وهو يعتبرها من هذا المنظور بحثا قصيرا وفي ختام حديثه عن هذا الفن الاخير من فنون العمل الادبي، يفرق بين المقالة والبحث الطويل، ويكمن الفرق بينهما في ان المقالة تعالج غالبا فكرة واحدة، يخلص اليها القارئ عند فراغه من قراءة المقالة، اما البحث الطويل فكل فصل فيه يعالج جزءا من الفكرة، ويصلح مقدمة للفصل الذي يليه.
وبعد هذه الدراسة الوافية لقسم الكتاب الاول والتي كانت تمثل الناحية العملية، حيث افاض فيها سيد قطب عليه رحمة الله، واكثر من الاستشهاد بالأمثلة، وقد كانت الأمثلة من قمم الأعمال الادبية ومن امتعها ايضا، وجاءت دراسته لها، ونقده ايضا في غاية الدقة والشمول، انتقل بعد ذلك الى قسم الكتاب الثاني، الخاص بمناهج النقد الادبي، الذي ألمح اليه سابقا، وكان هذا القسم يمثل الناحية النظرية، وبين ان عليه قبل ان يشرع في تقرير مناهج محددة للنقد الأدبي، ان يحدد أولا وظيفة هذا النقد وغايته، وقد لخصها في الآتي:
اولا: تقويم العمل الادبي من الناحية الفنية، ثم بيان قيمته الموضوعية، وثانيا: تعيين مكان العمل الأدبي في خط سير الأدب، وثالثا: تحديد مدى تأثر العمل الأدبي بالمحيط ومدى تأثيره فيه، ورابعا: تصوير سمات صاحب العمل الأدبي من خلال أعماله، وبيان الخصائص الشعورية والتعبيرية والنفسية.
ثم نبه المؤلف قبل تعيينه لمناهج النقد الادبي الى امرين: الاول: ان الفصل الحاسم بين هذه المناهج وطرائقها غير مستطاع، والثاني: ان هذه المناهج مجتمعة هي التي تكفل لنا صحة الحكم على الاعمال الادبية، فايثار احدها على الآخر لا يكون إلا في الموضع الذي يكون فيه احدها أجدى من الآخر، وهذه المناهج بحسب ترتيب المؤلف هي:
المنهج الفني، 2 المنهج التاريخي، 3 المنهج النفسي.
ومن مجموع هذه المناهج ينشأ منهج أدبي كامل للنقد الأدبي، يسميه النقاد المنهج المتكامل.
عقب هذا شرع المؤلف في حديث تفصيلي عن هذه المناهج الأربعة، وكان حديثه اولا كما جاء في ترتيبه السابق عن المنهج الفني ويقصد به مباشرة الأثر الأدبي بالقواعد والأصول الفنية المباشرة، ويقوم هذا المنهج على التأثر، والقواعد الفنية الموضوعية، وحول تاريخ هذا المنهج وارهاصاته الأولى يقول المؤلف: هذا المنهج الفني هو الذي عرفه النقد العربي، اول ما عرف، عرفه ساذجا اوليا مبدأ الأمر، ثم سار فيه خطوات لم تبلغ به المدى، ولكنها قطعت شوطا له قيمته على كل حال، بالقياس الى طفولة الأدب، والى طفولة النقد التي كانت حينذاك، واستعرض بداياته التاريخية مع عرض أمثلة من النقد العربي قديما وحديثا ثم ثنى حديثه بالمنهج التاريخي ويحتاج اليه الناقد إذا أراد دراسة مدى تأثر العمل الأدبي او صاحبه بالوسط، ومدى تأثيره فيه، او في دراسة الأطوار التي مر بها فن من فنون الأدب، او لون من ألوانه، أو في معرفة مجموعة الآراء التي ابديت في عمل أدبي أو في صاحبه، ويرتبط هذا المنهج بالمنهج الفني، حيث لابد فيه من قسط من المنهج الفني، فالتذوق والحكم ودراسة الخصائص الفنية ضرورية في كل مرحلة من مراحله، واشار المؤلف في خضم حديثه عن هذا المنهج الى مخاطره، وأخطرها الاستقراء الناقص، والأحكام الجازمة، والتعميم العلمي، وإلغاء قيمة الخصائص، والبواعث الشخصية، ثم استعرض الباحث خصائص المنهج التاريخي وحدوده، وانتقل بعد ذلك الى استعراض اهم خطواته في النقد العربي، مع استشهاده بالامثلة المختلفة، وفي ختام حديثه عن المنهج التاريخي ذكر فائدة مهمة حول هذا المنهج وهي انه ما يزال الى اليوم في دور النشوء، فخطواته الاولى من جمع النصوص وتحريرها، وجمع الوثائق التاريخية، والبحوث اللغوية والأدبية والاجتماعية، كل اولئك يتعب فيه كل مؤلف على حدة، ولا يتخصص له من يجيدونه ليوفروا على النقاد جهودهم، بتوفير الخامات الأولى للبحث، ثم استشهد بمثال واحد سار على المنهج الصحيح وهو مكتبة المعري التي اصدرتها وزارة التربية والتعليم، حيث مضت في اعداد سائر ما يتعلق بالمعري، ثم بين انه لو كان لدينا عن كل شاعر وكل كاتب مكتبة من هذا النوع، وعن كل عصر مثل هذا السجل، لتوافرت المادة الخامة للمنهج التاريخي على خير ما تكون وبعد هذا ثلث المؤلف حديثه بالمنهج النفسي حيث العنصر النفسي بارز في كل مراحل العمل الادبي، لأنه عمل صادر من مجموعة القوى النفسية، والمنهج النفسي يتكفل بالاجابة على الطوائف الآتية من الاسئلة وهي:
كيف تتم عملية الخلق الأدبي,؟ وما هي طبيعة هذه العملية من الوجهة النفسية؟
ما دلالة العمل الأدبي على نفسية صاحبه,؟
كيف يتأثر الآخرون بالعمل الأدبي عند مطالعته,؟ والجميل في هذا المنهج هو الاستفادة من الدراسات النفسية، لكن بشرط ان نعرف حدود علم النفس في هذا المجال، وهذه الحدود هي ان يظل هذا المنهج مساعدا للمنهج الفني والمنهج التاريخي، وان يقف عند حدود الظن والترجيح، ويتجنب الجزم وألا يقتصر عليه في فهم الشخصية الإنسانية، وألا نعتمد في تصوير الشخصيات في القصة وما إليها على العقد النفسية والعناصر الشعورية وغير الشعورية وحدها,ثم تتبع المؤلف بعد حديثه هذا نشأة المنهج النفسي، كماتتبع نشأة المنهجين السابقين.
وبرابع هذه المناهج النقدية وهو المنهج المتكامل خُتم الكتاب، وذكر المؤلف ان هذه المناهج بصفة عامة في النقد تصلح وتفيد حين تتخذ منارات ومعالم، ولكنها تفسد وتضر إذا جعلت قيودا وحدودا، وانتهى سيد قطب إلى كلمة تلخيصية لهذا المنهج وحدوده، وكانت آخر كلمة في هذا الكتاب النقدي الخالد وهي ,,, وهكذا ننتهي الى القيمة الأساسية لهذا المنهج في النقد، وهي أنه تناول العمل الأدبي من جميع زواياه، ويتناول صاحبه كذلك، بجانب تناوله للبيئة ولتاريخ، وانه لا يغفل القيم الفنية الخالصة، ولا يغرقها في غمار البحوث التاريخية او الدراسات النفسية، وانه يجعلنا نعيش في جو الادب الخاص، دون ان ننسى مع هذا انه احد مظاهر النشاط النفسي، وأحد مظاهر المجتمع التاريخي، الى حد كبير او صغير، وهذا هو الوصف الصحيح المتكامل للفنون والآدب, رحم الله سيد قطب فقد أسدى للنقد العربي يداً قصر عن مدها إليه من سواه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.