تناولنا في الخاطرة السابقة أمانة الكلمة وكيف نحافظ على هذه الأمانة وكيف أن هذه الأمانة والمحافظة عليها تُعدُّ مظهراً من مظاهر المحافظة على الصوم في رمضان. ولكن هل الكلمة نعمة؟ نعم.. فالكلمة ترتبط بالبيان الذي يميز الإنسان عن غيره من المخلوقات بل وأحياناً يميز الإنسان عن غيره من بني جنسه وسبحان الله الذي (خلق الإنسان علمه البيان)، والبيان المتمثل في الكلمة يختلف من فرد لآخر قدرة وفصاحة وتمكنا وبلاغة بل إن بعض الناس يفقد القدرة على الكلام فإذا به لا يكاد يُبين في نفس الوقت الذي يمتلك البعض امكانات بالغة على الكلام ومنهم منْ يسخر هذه القدرة للنفع والفائدة، ومنهم منْ يجعلها في غير ذلك فإذا بالكلمة المدمرة التي توقع العداوة والبغضاء بين الناس أو تشعل نيران الحقد والكراهية فيما بينهم. ولذلك فالكلمة وهي أمانة هي أيضاً نعمة يجب أن نحافظ عليها ونشكر الله عليها واضعين في رمضان هذا الشهر الكريم وفي سائر أيام السنة أن خير الكلام وأفضله هو ما يفيد البشر وقد قال تعالى: (لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نؤتيه أجراً عظيما). وهكذا فالكلمة نعمة تؤدي بصاحبها إن كانت صالحة إلى طريق الاجر العظيم ومن منا لا يحتاج إلى هذا الأجر؟ ولذلك فإن استقامة اللسان للمسلم تجعله بعيداً عن المهاترات والمشاحنات وبعيداً عن الهمز واللمز والقيل والقال في غير الحق كما تعوده استقامة اللسان الى الفلاح قال تعالى: (قد أفلح المؤمنون الذين عم في صلاتهم خاشعون والذين هم عن اللغو معرضون). وإذا كنا في هذا الشهر الكريم مأمورين بأن نحافظ على صيامنا حتى إن خاطبنا الجاهلون شتما أو سبا فيكون ردُ المسلم منا «إني امرؤ صائم» فإن من الواجب علينا أن نجعل أخلاق رمضان هي أخلاقنا على طوال أيام الحياة فلا ننزل بألسنتنا الى نداءات الجاهلية أو سفاهات الحاقدين أو سواد قلوب الحاسدين إننا نحن المسلمين مأمورون بأن نجعل ألسنتنا دليلا على استقامة القلب واستقامة السلوك فقال صلى الله عليه وسلم: «لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه» رواه أحمد. ولقد كان الصحابة رضوان الله عليهم يحرصون كل الحرص على نعمة الكلمة فلا تنطق ألسنتهم إلا بالصدق والخير والحق حتى روي عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قوله: «والذي لا إله غيره ما على ظهر الأرض شيء أحوج إلى طول سجن من لسان»، وقد جاء هذا القول لاعترافهم بأن من افضل السبل للمحافظة على نعمة الكلمة هو إمساك اللسان عن اللغو او مالا طائلة وراءه، ذلك لأن اللغو يُفسد العلاقات بين الناس ويخرب ما بينهم من صلات وروابط ويجعل ما بينهم خرابا وضلالا وإضلالا. ولأهمية الكلمة الطيبة فقد وضعها النبي صلى الله عليه وسلم بأنها ترفع صاحبها إلى أعلى الدرجات والنعيم المقيم كما أن الكلمة السيئة وإن كانت لادخال السرور فإنها تكون طريقا لغير ذلك من التردي في الهلاك. فقال عليه الصلاة والسلام: «إن العبد ليقول الكلمة، لا يقولها إلا ليضحك بها المجلس، يهوي بها أبعد ما بين السماء والأرض، وإن المرء ليزل عن لسانه أشد مما يزل عن قدميه». وبمثل هذه الخطورة تكون الكلمة غير المسؤولة التي تأخذ صاحبها إلى الحضيض. فما أحرانا في رمضان ان نستمسك بكل ما هو خير وفي مقدمته حفظ اللسان فإذا تكلم الصائم فليكن كلامه خيرا أو ليصمت وليجعل هذا الشهر منطلقا لتعويد نفسه ان يصون لسانه وان يعوِّده على كل لفظ جميل يحمل في طياته الشكر لربه سبحانه وتعالى الذي أنعم عليه بنعمة النطق والكلام ليتفاهم مع بني جنسه ويخاطبهم ويتعايش معهم في مودة واحترام. وما أحرانا في هذا الشهر أن نعوِّد أبناءنا الصدق في القول والعمل وأن نعلمهم ان الكلمة نعمة وأمانة يجب ان نحيطها بكل الاهتمام فلا يقولون إلا صدقا ولا يتكلمون إلا بالخير لينشأوا مستمسكين بالخلق القويم، متحلين بأخلاق الإسلام الفاضلة. ما أحرانا ان نعلمهم كيف يعيشون مع المواقف المختلفة في حياتهم وهم يتعاملون مع غيرهم محافظين على أمانة الكلمة واضعين مقياساً لسلوك ألسنتهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كبُرتْ خيانةً أن تُحدث أخاك حديثا هو لك مُصدقٌ وأنت له كاذب» رواه البخاري. إننا إن فعلنا ذلك مع أبنائنا وكُنا لهم قدوة ملموسة وصادقة نكون قد وضعنا أهم لبنات للحياة السعيدة وهي تلك الحياة التي يحافظ فيها الناس على ألسنتهم من الكذب والزور والبهتان ويجعلون منها منطلقا للصدق ولكل قول معروف وعمل صالح. وأسأل الله التوفيق.