نعمة البيان من أجلّ النعم التي أسبغها الله على الإنسان، وكرّمه بها على سائر الخلق الرحمن، علّم القرآن، خلق الإنسان، علّمه البيان ولم يترك الإسلام هذه النعمة من دون تشريع الأوامر، وإسداء التوجيهات لتغدو هذه النعمة سحابة خير تمطر كل مبارك وطيب، إلا أن المراقب لمجالسنا اليومية بل وللبرامج الإعلامية التي يشاهدها ملايين البشر يصعق بغياب أدب الحديث، وطغيان الثرثرة والهذر الذي يصيب عوام الناس فضلاً عن غيرهم بالاشمئزاز، وإذا ذهب الواحد يحصي ما قالوا يجد جله لغواً ضائعاً، وهذراً ضاراً، وما لذلك ركّب الله الألسنة في الأفواه. إن حديث الشخص يشير إلى حقيقة عقله، وطبيعة خلقه، وما يحويه صدره، وقديماً قيل: القلوب تغلي بما فيها، والألسنة مغاريفها، وطرائق الحديث في جماعة تنم عن المستوى الأدبي والثقافي لديهم. وما أحسن هدي الإسلام في أدب الحديث حين جعل الخير في النجوى محصوراً في آية النساء في أناس يتكلمون بالخير، ويأمرون بالنفع"لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجراً عظيماً". وجعل البعد عن اللغو من أركان الفلاح، ودلائل الكمال، وذكره بين فريضتين من فرائض الإسلام المحكمة، هما الصلاة والصيام، فقال تعالى:"قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون والذين هم عن اللغو معرضون والذين هم للزكاة فاعلون"، بل وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم استقامة اللسان دليلاً على استقامة القلب فقال :"لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه"، وربط رسول الهدى بين الجنة وترك الكلام فيما لا يعني، فيما أخرج الترمذي بسند حسن من حديث أنس - أنه - قال: توفي رجل، فقال رجل آخر ورسول الله يسمع: - أبشر بالجنة، فقال رسول الله:" أو لا تدري، لعله تكلم فيما لا يعنيه، أو بخل بما لا ينقصه". وقد أجمل ابن عباس آداب الحديث في قوله: خمس، لَهُنَّ أحسن من الدهم الموقفة أي: الخيل:"لا تتكلم فيما لا يعنيك، فإنه فضل، ولا تتكلم فيما يعنيك حتى تجد له موضعاً، فإن رب متكلم في أمر يعنيه قد وضعه في غير موضعه، فعيب، ولا تمار حليماً ولا سفيهاً، فإن الحليم يقليك، والسفيه يؤذيك، واذكر أخاك إذا تغيب عنك بما تحب أن يذكرك به، واعْفِه مما تحب أن يعفيك منه، واعمل عمل رجل يرى أنه مجازَى بالإحسان، مأخوذ بالإجرام"ولا يستطيع المسلم هذا إلا إذا ملك لسانه، وسيطر على زمامه بقوة، فكبحه حيث يجب الصمت، وضبطه حين يريد المقال. فحري بالإنسان أن يعود لسانه على النطق بالخير، أو السلامة بالصمت، وأن يعبر عما في نفسه بأدب عالٍ، وألفاظ منتقاة ليسد الطريق أمام الشيطان الذي يريد إيقاع العداوة، وإشعال نار البغضاء من خلال الكلمة التي فقدت الحسن،"وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم إن الشيطان كان للإنسان عدو مبين". وعظماء الرجال وفضليات النساء يلتزمون في أحوالهم جميعاً التفكير قبل النطق، والاختيار الأنسب للفظ، ويترفعون عن ناب الكلام وسقطه، ولذا حازوا شهادة عقلاء القوم، ولا يزال المرء في فسحة من عقله ما لم يكتب أو يتكلم. إضاءة يقول زهير: ألم تر مفتاح الفؤاد لسانه إذا هو أبدى ما يقول من الفم وكم من وجيه ساكت لك معجب زيادته أو نقصه في التكلم لسان الفتى نصف ونصف فؤاده ولم يبق إلا صورة اللحم والدم * داعية وأكاديمية سعودية Nwal_al3eeed @ hotmail.com