على الرغم من التوقعات العالية، فإن الإنتاجية متدنية إلى درجة محبطة في مشاريع البحث والتطوير في مجال الصيدلة الحيوية. ورغم زيادة الإنفاق، فإن عدد الأدوية الجديدة الناجمة عن سلسلة الجينوم البشري لم يتزايد. وهذا يعني أن مجموعة متنوعة واسعة من الأمراض لا تعالج بشكل فعّال، سواء في بلدان العالم المتقدمة أو النامية. كان التقدم الذي تحقق في العلوم الجزيئية، المقابل للتعرف على تسلسل الجينوم البشري في ثمانينيات القرن العشرين، سبباً في التعرف على جميع البروتينات البشرية وهي عبارة عن جزيئات معقدة ضخمة وضرورية للعديد من وظائف الجسم. ولقد أدى فهم الدور الذي تلعبه البروتينات آنذاك إلى المزيد من المعرفة بالأسباب الكامنة وراء الأمراض. على سبيل المثال، تبين أن الطفرات أو العيوب في مواقع جزيئية معينة من الحمض النووي البشري مسؤولة عن بعض أنواع السرطان، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع الآمال في تطوير علاجات ناجحة مصممة خصيصاً لكل مريض على حِدة. وكان العلماء يعتقدون أن القدرة على تصور وفهم البيولوجيا البشرية بمستويات أكثر تفصيلاً من شأنها أن تؤدي إلى إنتاج العديد من الأدوية الجديدة. ذلك أن التعرف على الأقسام الجزيئية التالفة، والمعروفة بأهداف العقاقير، كان من الواجب أن ييسر معالجة أسباب الأمراض، وأن يحدث ثورة في العلوم الصيدلانية. وهذا هو ما حدث بالفعل ولكن من دون زيادة في عدد الأدوية الجديدة. قبل الثورة الجزيئية، اكتشف العلماء العديد من الأدوية من خلال التقييم العشوائي لمواد كيميائية مختلفة في مقابل أنماط ظاهرية الخصائص التي يمكن ملاحظتها في الكائن الحي في إطار أنظمة بيولوجية أصلية، مثل الحيوانات أو الخلايا. ولكن من المؤسف أن إستراتيجية التنميط الظاهري غير فعّالة وغير مرضية فكريا. بشرت الثورة الجزيئية بعصر تتسم فيه عمليات اكتشاف العقاقير وتطويرها بطريقة عقلانية وليس عشوائيا. ولكن خلافاً لكل التوقعات، لم تسفر زيادة الكفاءة نتيجة لتحديد الأهداف بدقة عن زيادة في الإنتاجية. ولقد ركزت الجهود الرامية إلى علاج المشكلة على الكيفية التي يتم بها اختيار الهدف، وفعالية الأدوية المرشحة مع البشر، وخطر الآثار الجانبية غير المرغوب فيها، وكفاءة عملية الاكتشاف ولم يسفر كل هذا إلا عن نتائج هزيلة أو لا شيء على الإطلاق. تناول عدد شهر يوليو/تموز من مجلة «ناتشر ريفيوز» بالتحليل كيفية اكتشاف الأدوية الأولى من نوعها تلك العقاقير التي نجحت في تأسيس فئة جديدة من الأدوية. وعلى الرغم من التركيز على اكتشاف العقاقير استناداً إلى هدف محدد، فإن الغربلة بأسلوب التنميط الظاهري أنتج نصيب الأسد من أدوية الجزيئات الصغيرة الأولى من نوعها، والتي حصلت على الموافقة بين عام 1999 و2008 28 دواءً بطريقة التنميط الظاهري في مقابل 17 عقاراً بطريقة الهدف المحدد. وبالنظر إلى مدى انحياز الصناعة نحو اكتشاف العقاقير المستهدفة، فإن هذا الخلل في التوازن يشكل أهمية كبرى. ويقترح مقال ناتشر ريفيوز أن الإنتاجية المتدنية تعكس جزئياً افتقار الاكتشاف المستهدف للاهتمام بالتعقيدات الجزيئية المتعلقة بالكيفية التي تعمل بها العقاقير. فالتعرف على أجزاء آلة تتسم بالكفاءة ساعة أو سيارة أو كمبيوتر لا يكفي لوصف الكيفية التي تعمل بها هذه الآلة. فمن الأهمية بمكان أن تتعاون الأجزاء المختلفة بطريقة معينة لتحديد الوقت بدقة، أو توفير القدرة على الانتقال بكفاءة، أو معالجة المعلومات. لا شك أن البيولوجيا أكثر تعقيدا. وعبارة «آلية العمل الجزيئي» تصف الطرق التي تتعاون بها الأجزاء البيولوجية لتوفير دواء فعّال وآمن. ومن شأن تناول آلية العمل الجزيئي أن يساهم في عكس مسار انخفاض إنتاجية الاكتشافات المستهدفة، لأن مجرد التعرف على هوية الأجزاء المسؤولة عن خلل ما قد لا يكون كافياً لإصلاح آلية مختلة. إن نهج الاستهداف أشبه بشخص يبحث عن سلسلة مفاتيحه في الظلام: فإذا كان البحث تحت أضواء الشارع فسوف يكون العثور عليها سهلا. وكان العديد من الناس يأملون أن تعمل الثورة الجزيئية على إنارة الطريق لتيسير اكتشاف العقاقير. ولكن للأسف، يبدو الأمر وكأن هذا الضوء الجديد، في أغلب الحالات، أكثر خفوتاً من أن ينير التفاصيل الجزيئية لديناميكية الآلة الحيوية البشرية بالقدر الكافي من الخصوصية لترشيد عملية تصميم الأدوية الجديدة. والواقع أن عملية التنميط الظاهري العشوائية، التي كان من المتصور أنها أقل كفاءة، سوف تنجح في نهاية المطاف في تحديد الأدوية الفعّالة و التي تعمل على علاج الأمراض. أما نهج الاستهداف فإنه لا يسفر إلا عن خلق وهم زيادة الكفاءة: في حين تقوضت وعوده بسبب التغافل عن «آلية العمل الجزيئي».هناك احتمالات جزيئية هائلة في البيولوجيا البشرية الديناميكية للتحديد الاستدلالي للآلية المثالية للتدخل الجزيئي. والمضي قدماً في هذا السياق يتطلب البحث عن الطريقة التي تجمع بين كفاءة نهج الاستهداف وأصالة أبحاث التنميط الظاهري. * بالو ألتو