من الملاحظ أن من الناس من يقرأ بعض الأشخاص الذين يراهم بما تقع عليه عينه من هيئاتهم، وأشكالهم وتصرفاتهم، وربما منطقهم فيصبح بمجرد نظرته بين شك وريبة وظن ويقين في الشهادة لأي إنسان من جملة من يخالطهم، ويعايشهم ولا يعرفهم إلا بأسمائهم فقط. وليس العاقل أو الحكيم من يحكم على الناس بعينه، أو قل بإذنه وإنما الحكيم من له إدراك واسع يلم بحياة من يقرأ شخصيته، وإدراك بأن العين تنخدع بالمظهر الذي يجيد صناعته المخادعون بمظاهرهم بالتهندم والتمسكن. والأذن تنخدع بسماع من له منطق ويحسن التملّق في حبك العبارات الساحرة التي تلبس الحق بالباطل. قال تعالى {وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ} (البقرة 204، 205). والتاريخ يحتوي كثيراً من قصص الخداع والمخادعين والمخدوعين بالمظاهر، وكم ندم من أحسن الظن بالمخادع. والخداع لا يأتي في صورة واحدة يعرف بها، لأن لكل شيء لوناً يوافق غرض المخادعة والتلبس بها عن مهارة في التصنع في تقليد يطابق لواقعه شكلاً وهيئة، ولوناً وعملاً. ولأنه من الصعب استقصاء حالات الخداع والمخادعة في كل ما يدخل في حياتنا الاجتماعية من عمل أو أن نقف في هذه الخاطرة على ما يدخل في مضمار الخداع بالتمسك بالدين، لأن هذا ربما يتطلب بعض الأمور السطحية المرئية كإطالة اللحية، وتقصير الثوب، وملازمة المسواك، وخفض الصوت، وهذه الأمور لا تتطلب جهداً أو مالاً، وقد يرى المخادع بهذه الأشياء إضافة شيء يكون سمة ثابتة في وجهه يقرأها كل من نظر إليه فيعمد إلى حك جبهته بالثوم حكاً يؤثر في جلدتها حتى يخيل لمن رآه أنه أثر من كثرة سجوده. وفي وصف هذا وأمثاله قال ابن مناذر اللاحقي: شمروا القمص وحكوا موضع السجد بثوم(1) (1) ديوان ابن مناذر ص413 وتحقيق د. محمد غريب. وفيه نفي لعدم نسبته لابن مناذر وإثبات بأنه للاحقي.